أي شخص يراقب معالجة الرئيس دونالد ترامب لجائحة فيروس كورونا في الولايات المتحدة، لديه سبب وجيه لأن يسأل إذا ما كان لدى إدارته استراتيجية أصلاً للتعامل معه. والأسبوع الماضي، اتهمت الصحافة واحداً من مستشاريه الطبيين، سكوت أطلس، بأن ترويجه لـ «استراتيجية مناعة القطيع» يرقى لمستوى السماح لكوفيد-19 بأن يتفشى أكثر. وأنكر «أطلس» هذا، لكن القضية الأهم تتمثل في السؤال عن ماهية استراتيجيتنا، أو ما يجب أن تكون عليه، وفي السؤال عن الاستراتيجية المحتملة لجو بايدن إذا فاز بالرئاسة. فقد اتضح أن كلا الرجلين لم يضع خطة للتصدي للجائحة. 

فلا يرقى وعد بايدن بـ «اتباع العلم إلى مستوى استراتيجية. إنه مجرد شعار. فوجود استراتيجية للتعامل مع جائحة، يتطلب وضع أولويات وتحديد قيم معينة، وهي مهمة ليس العلم مؤهلاً للقيام بها. وإذا كان «بايدن» وأنصاره يعتقدون أن اتباع العلم يمثل خطة، فإنهم يسيئون فهم طبيعة العلم وحدوده. فالعلم يستطيع أن يبصرنا بطبيعة الجائحة، لكن لا توجد صيغة تشير إلى حل. وأي خطة عمل ستجبرنا على تحقيق توازن بين الحاجة إلى حماية الناس من الفيروس، وبين الحاجات التعليمية والنفسية والاقتصادية، وأيضاً الحاجات الصحية الأخرى. والمرض خطير، لكن هناك أيضاً أمور خطيرة أخرى، مثل الاحتجاج على العنصرية، أو إعادة فتح المدارس الابتدائية، وهو ما يرى بعض الناس أنه أمر يستحق المغامرة. والكيفية التي نقيم بها وزناً لهذه الأولويات هي مسألة سياسة عامة. 

وتغير المناخ يمثل مشكلة مشابهة. فالعلم يستطيع تقديم أدلة على أن النشاط البشري يغير تركيبة الغلاف الجوي، وأن إضافة ثاني أكسيد الكربون تؤدي إلى ارتفاع حرارة الكوكب. لكن وضع سياسات تقيد انبعاثات الكربون يحتاج إلى أكثر من العلم. وهذا يتطلب «حكم قيمة»، فمن يجب عليه التضحية وما مقدار تلك التضحية؟ ولننظر إلى مسيرات الاحتجاج هذا الصيف. فقد اعتبر كثيرون في مجتمع الصحة العامة أن الاحتجاجات تستحق المغامرة، وهذا حكم قيمة. وفي الوقت نفسه، ثار الغضب بسبب تجمعات أخرى في الخارج مثل الزحام على الشواطئ. وهذا «حكم قيمة» أيضاً. 

ووضع استراتيجية يبدأ بالاعتراف بأن الأميركيين، في غالبهم، يريدون إجراءات حمائية ضد المرض، لكنهم لا يريدون التضحية بكل شيء في الحياة من أجل الصحة العامة. وبعض الناس يعطون قيمة كبيرة لحق الاحتجاج على الظلم العنصري، وآخرون يعطون قيمة كبيرة لحق الحفاظ على وظائفهم وإبقاء الأنشطة الاقتصادية مفتوحة. وتستطيع الدول المختلفة «اتباع العلم»، لكن هذا الاتباع يصل بهم الحال إلى استراتيجيات مختلفة. فقد حاولت نيوزيلندا فرض إغلاق صارم للوصول بحالات الإصابة إلى صفر، لكنها لم تستطع تجنب المرض تماماً. وأبقت آيسلندا معظم الأنشطة الاقتصادية والمدارس الابتدائية مفتوحة، واعتمدت على الاختبارات المكثفة وتعقب المخالطة لكسر سلسلة الانتقال. ومزحت الصين بين كلا الأمرين، ولم تغلق قط الأنشطة الاقتصادية في بعض المدن الكبيرة مثل شنغهاي. 

وما يطلق عليه «استراتيجية مناعة القطيع» في السويد، قد يعادل انعدام الاستراتيجية. لكن هذا غير دقيق، فالسلطات السويدية فحصت الحقائق، واتخذت حكماً مختلفاً. فقد اضطرت «واشنطن بوست» في الآونة الأخيرة إلى نشر تصحيح، لتتراجع عن الزعم الذي مفاده أن السويد لم تشجع على التباعد الاجتماعي أو ارتداء الكمامات. بل فعلت السويد ذلك. وتمثلت سياسة السويد في منع انتشار المرض، دون اللجوء إلى إغلاق قومي كامل. 
وقد يرى كثيرون من الأميركيين أن مما يستحق اللوم قرار الحكومة السويدية بإعطائها أولوية كبيرة للحرية الشخصية والأنشطة الاقتصادية المختلفة. لكن تصور الأميركيين هؤلاء محض حكم سياسي، وليس حكماً علمياً. وللأسف، فقد أولى مستشار ترامب أولوية عليا للمدارس وفتح الأنشطة الاقتصادية. وقال المستشار في مقابلة مع «وول ستريت جورنال»: إن «أضرار الإغلاق طويل الأمد هائلة». 

والمشكلة في الولايات المتحدة لا تتمثل في أن استراتيجيتنا تتجاهل العلم، بل إن ليس لدينا استراتيجية بالمرة. وبعدم تقديم أي استراتيجية قومية متماسكة والاعتماد على خليط غير متناسق من لوائح الولايات، نستسلم للفوضى والاضطراب. والعلم لا يمكن أن يصلح هذا. ويوافق عالم الأوبئة في جامعة هارفارد، «وليام هانج»، على أنه رغم أن العلماء يمكنهم مساعدتنا في تقرير ما هو واقعي، فإن المجتمع، وليس العلم، بحاجة إلى وضع أولويات وقيم. والعلماء كانوا محقين في تصحيحهم لتصريحات ترامب المتكررة بأن المرض سينتهي من نفسه وكفى. فقد أشاروا إلى أدلة علمية وجيهة تؤكد أننا سنتكبد وفيات كثيرة، ونعاني من تعقيدات قبل حدوث تراجع محتمل للمرض. 

وحالة الاستقطاب في المجتمع تدفع الناس إلى الاحتماء بمعسكرات متطرفة. فنجد أحد الأطراف يعترض على أكثر الإجراءات أساسية وطوعية، بينما يريد الطرف الآخر حظر المواجهات وجهاً لوجه بين الناس إلى أجل غير مسمى. والعلم لا يستطيع إخبارنا بالمنطقة الوسطى التي نستطيع فيها تحديد أهدافنا.
*محررة علمية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»