في مسيرة البشرية رجال يصنعون التاريخ، وفي هذا التاريخ رجال ماتوا، ولكنهم أحياء عند ربهم وعند من يحافظ على سيرتهم ونهجهم، هكذا كان نهج أمير الإنسانية الراحل الشيخ صباح الأحمد، ورائد السلام العالمي. أثره  أثرى سيرة الكويت في العالمين. ألسنا نتحدث عن صباح الإنسانية.
ماذا قدم الإنسان الذي سكن القلب الكبير، حسب وصف أمين عام الأمم المتحدة الأسبق «بان كيمون»، والذي تسلم في 9 ديسمبر 2014 درع قائد الإنسانية بجدارة واستحقاق؟
لقد منحنا في الخليج العربي، ثلاثة أمور لا يستغني عنها الإنسان أينما كان، باختلاف الزمان والمكان: الأول غذاء للعقل وهو التعليم ساس بنيان الأمم والمجتمعات بلا ريب، فقد نشر على طول الخليج 43 مدرسة وأمدها بـ 850 معلماً ومعلمة. والثاني غذاء البدن، وهو وقود العقل الذي يزداد به قوة 
ونشاطاً وحيوية، فكانت الطائرات تصل في الوقت المحدد للتغذية المدرسية الساخنة بكل ما لذ وطاب من الأطعمة الصحية المناسبة للتلاميذ والطلاب خاصة، بما يساعد على بقائهم أصحاء طوال العام الدراسي. وأذكر أن قائمة الإفطار كانت شديدة التنويع، إلى درجة أنها لا تتكرر وجبة معينة طوال الأسبوع وكذلك المشروبات. ولا ننسى الملابس المدرسية الخاصة بكل مرحلة دراسية على حدة، حيث نقوم باستلامها من أحد الأقسام في الجمارك سنوياً، نسختان لكل صنف، حتى لا تتعرض للتلف. والثالث: دواء للأجسام العليلة، كي تستعيد عافيتها كلما أصابها الخلل..
فقد بنى للإمارات مستشفى الكويت في دبي، ومستشفى آخر بالشارقة، ومستوصفات، وعيادات متخصصة موزعة على بقية الإمارات.
ولا أنسى بأننا كنا، كطلبة، نخضع لفحص دوري كل سنة دراسية جديدة في المركز الصحي ببر ديرة وفي مدرسة عمر بن الخطاب بسوق نايف. وأزاح عنا كذلك تعتيماً إعلامياً، عندما تم بث تلفزيون الكويت من دبي وإذاعة الكويت من الشارقة.
وفتحت أرض الكويت قلبها ميداناً للتنافس الوظيفي بين أبناء الخليج وغيرها من الدول العربية الأخرى، يوم أن كانت الكويت عروساً للخليج، ولم يترجل فارسها قبل تحويلها إلى درة نادرة، فوالدي، رحمه الله، كان من أوائل العاملين في أرض الكويت المعطاء، فلحومنا ربت وعظامنا نمت من نعمائها، ولحق بأبنائه بقية الخير من دون السفر إليها مبكراً.
ولم يغفل صباح الأحمد، رحمه الله، حين تولى مسؤولية دائرة الإعلام المعنية بقضايا النشر والمطبوعات، عن تغذية الفكر العربي بما يحتاج إليه من الزاد، فقد احترم حرية الفكر وجعل له رافداً من ذلك، عندما قام بتأسيس «مجلة العربي»، وقد اعتبرها هدية الكويت للعرب جميعاً، وأعتبر نفسي ممن تربى فكره على ثراء وغزارة المواد التي نشرت ولا زالت في خلال الستين سنة الماضية، وقد تشرفت بحضور أربعينيتها في الكويت، بدعوة كريمة من رئيس تحريرها الدكتور الفاضل محمد الرميحي. 
وكانت الإمارات جزءاً من من نبض تلك المجلة العربية العريقة، فقد كان نصيبها وافراً من مساحة النشر، حيث قام نادي تراث الإمارات بطباعة مجلدين خاصين بالإمارات، يغطيان الفترة ما بين 1960 - 2016، أي قرابة ستة عقود من عمر الخليج الزاهر.
إضافة إلى سلسلة «عالم المعرفة»، والتي يصدرها «المجلس الوطني للآداب والفنون»، ولا زلت أواصل قراءة مطبوعاتها الشهرية.
أمير الإنسانية وقائد السلام العالمي وعميد الدبلوماسية الخليجية والعربية والعالمية، لم يترجل حتى منحه ترامب وسام الاستحقاق العسكري برتبة قائد أعلى، أحد أعلى الأوسمة من الرئيس الأميركي، قبل أيام قليله من رحيله. صباح الأحمد، رحمه الله، مدرسة يمكن لنا جميعاً التتلمذ فيها، لأن عناصر ومبادئ المناهج واضحة وعميقة في مجال الدبلوماسية الإنسانية التي يسقط الكثير في اختباراتها، إنْ لم يتجرد الفرد من منازع الهوى.