تبقى الأسرة هي المكون الأول لوجدان الطفل في مرحلة الطفولة ما قبل المدرسة والمجتمع المحيط، فالأسرة هي الحاضنة الأولى والأهم في حياة الطفل منذ ولادته، والذي يمثل الأمن الأسري العامل الأول والأهم في تكوين شخصيته، وفي مرحلتي النمو الأولى من حياة الطفل (الرضاعة – الطفولة المبكرة) والممتدتيْن حتى سن السادسة، يكون الطفل ملتصقاً بالوالدين وبالبيئة الاجتماعية المحيطة به، يتعلم فيها الطفل كيف يكتشف نفسه، وكيف يتعايش مع العالم المحيط به، ويبدأ في إدراك العالم من خلال والديه واكتساب الكثير من السلوكيات منهما، وحين يبدأ الطفل في الطفولة المتوسطة، والتي تمتد حتى سن 12 سنة يبدأ معها تكوين عقله المنطقي وإدراكه ووعيه، وتتداخل مع الوالدين المدرسة والوسائل التكنولوجية والمجتمع المحيط في تشكيل وعي الطفل، ولكن خلال تلك المراحل يبقى الطفل في حالة مراقبة واقتباس سلوكيات وأفعال ومفردات لغوية من الوالدين، وذلك الاقتباس يتحول إلى قواعد سلوكية تشكل ملامح الطفل المعرفية والسلوكية ويتشكل وعيه.
لذلك لا بد من إدراك أن تشكيل وعي الطفل يتدخل فيه السلوك اللاواعي للآباء، وأقصد بالسلوك اللاواعي للآباء تلك السلوكيات التي لا تخضع للمراقبة الذاتية، والتي تتسم بالتلقائية كسلوك الأب مع الأم ومع أصدقائه وأقاربه، والبائع وكل إنسان يتعامل معه وحتى مع أغراضه الشخصية، والطفل يمارس دور المراقب، هذا الدور يمثل إشكالية كبرى ما لم ننتبه لها، فدور المراقب هنا ليس دور متفرج سلبي، بل هو دور مراقب يتأثر ويكوّن أفكاراً، ويحول تلك السلوكيات التي تتم أمامه بصورة تلقائية لا واعية إلى قواعد سلوكية تشكل وجدانه ومفاهيمه وأفكاره حول العلاقة، التي يجب أن يكون عليها مع العالم المحيط به، ومن ثم تتحول إلى سلوك، لذلك لا بد أن ينتبه الآباء إلى تلك السلوكيات اللاواعية أمام أبنائهم، ويدركوا أن تربيتهم للطفل ليست فقط في توفير التوجيه والتعليم، وأن سلوكاً واحداً أمام الطفل قد يهدم ساعات طويلة من عمليات التعليم الموجهة، يتحدث الوالدان مع طفلهما عن عدم الكذب وغرس فضيلة الصدق في نفس الطفل لساعات طويلة، وفي لحظة لا واعية منهما، وفي ظل مراقبة الطفل يكذب أحد الوالدين فتحدث صدمة وخلل في المعايير والمفاهيم عند الطفل لا يدري الطفل وقتها هل يصدق ما قيل له أم ما يمارسون من سلوك؟ ويبدأ الطفل في دخول نفق طويل من اختلال المعايير، وهذا يكون له انعكاساً سلبياً على شعور الطفل بالطمأنينة، ويختل لديه شعوره بالأمن الأسري، والذي يتأثر بصورة مباشرة وغير مباشرة بنظرة الطفل لوالديه، والتي يصيبها الاختلال من تلك السلوكيات اللاواعية..
الأب والأم هما القدوة السلوكية، وأظن أن قوة تأثير السلوك أكبر من قدوة تأثير الكلمة في اكتساب الطفل للمعرفة التي تنعكس على السلوك، وبهذه الطريقة يشكل الآباء وعي الطفل بصورة لا واعية، لذلك لا بد أن يكون الآباء منتبهين إلى هذه المفردة من مفردات تربية الأطفال، وينتبهوا إلى سلوكياتهم التلقائية قدر الإمكان أمام أبنائهم، فهي ذات دور كبير جداً في تشكيل وعي الطفل.