ظل الاتحاد الأوروبي عقوداً يُعَد نموذجاً لعمليات التكامل الدولي الناجحة، بعد أن حقق اندماجاً اقتصادياً حقيقياً وصل عدد المشاركين فيه 28 دولة قبل الخروج البريطاني، وظلت الطريقة التدريجية التي تحقق بها هذا الاندماج تشكل مرجعية لعمليات التكامل الاقتصادي الأخرى على الصعيد العالمي. ولم يؤثر كثيراً في قيمة هذا النجاح فشل الاتحاد في التحول إلى كيان سياسي موحد، على أساس أن صعوبات التخلي عن السيادة في الأمور السياسية أشد منها بكثير في مثيلتها الاقتصادية. 
غير أن السنوات الأخيرة بدأت تكشف عن صعوبات داخلية وخارجية تعترض مسيرة الاتحاد وتؤثر بالسلب عليها، ولعل أول هذه الصعوبات قد تمثل في صعود الأحزاب اليمينية على نحو لافت في عديد من أعضاء الاتحاد. ومعروف أن هذه الأحزاب تتبنى توجهات غير مواتية بالنسبة لعملية التكامل الأوروبي، ومع أن أصوات هذه الأحزاب قد وصلت إلى البرلمان الأوروبي، فإن قوتها لم تصل إلى حد تهديد الكيان الأوروبي بعد. والمفارقة أن التهديد قد بدأ من خارج هذه الأحزاب، عندما أدى ضغط التوجهات المؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى أن يتعهد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون، في آخر حملة انتخابية خاضها، بتنظيم استفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي حال فوزه، وقد أوفى بوعده، فبدأت قصة «البريكست» بموافقة أغلبية ضئيلة في استفتاء يونيو 2016 على الخروج الذي تعثر طويلاً حتى فاز بوريس جونسون بالانتخابات التشريعية الأخيرة، ونفذ عملية الخروج، وإن لم تنته فصولها بعد حتى الآن. وقد وضع «البريكست» الاتحاد الأوروبي على المحك، على الأقل من منظور أن نجاحه قد يفتح شهية بعض البلدان ذات الحضور القوي للتيارات اليمينية المتطرفة للاقتداء بالنموذج البريطاني، ناهيك عن الخسائر المحتملة لخروج عضو من الاتحاد بوزن بريطانيا. ثم كشفت جائحة كورونا عن هشاشة الاتحاد في مواجهتها، عندما عانت بلدان بعينها، كإيطاليا وإسبانيا، أكثر من غيرها، ولم تجد دعماً ذا بال من الاتحاد، فيما قدمت هذا الدعم دول غير أوروبية، وتعثرت طويلاً خطط الإنقاذ، وساد مبدأ «أمتي أولاً» وليس الاتحاد. ورغم أنه كان مبدأً منطقياً، فإن دلالته السلبية بالنسبة لجدوى آليات الاتحاد في مواجهة الأزمات التي تُحدق بأعضائه غير خافية. 
ولم تقتصر التحديات على الداخل الأوروبي، وإنما اشتملت أيضاً على تحديات خارجية من قوى عالمية وإقليمية. فلم يكن خافياً مثلاً أن الرئيس الأميركي الحالي لا يحمل مشاعر إيجابية للاتحاد الأوروبي، بل كان يشجع بريطانيا علناً على الخروج. ومن ناحية أخرى، نشبت خلافات واضحة بين السياستين الأميركية والأوروبية، فيما يتعلق بقضايا محورية، كإدارة العلاقات مع إيران، فبينما انسحب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 مع طهران، حافظت الأطراف الأوروبية على الاتفاق، وصولاً إلى امتناع الأعضاء الأوروبيين في مجلس الأمن عن التصويت على مشروع القرار الأخير الذي قدّمته الإدارة الأميركية إلى مجلس الأمن بشأن تمديد حظر الأسلحة على إيران. أما تحديات القوى الإقليمية، فتمثلت بصفة خاصة في الانتهاكات التركية لسيادة عضوين في الاتحاد، هما اليونان وقبرص، بعمليات التنقيب غير المشروعة عن الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخاصة بهما.
واللافت أن مواجهة الاتحاد الأوروبي للتحديات السابقة تبدو ضعيفة، وعلى أحسن الفروض غير كافية. ففي القمة الأوروبية الأخيرة (15-16 أكتوبر الجاري) اكتفى القادة الأوروبيون بإبداء القلق من عدم إحراز تقدم كافٍ في المباحثات مع بريطانيا وبدعوتها لاتخاذ الخطوات الضرورية للتوصل إلى اتفاق. أما فيما يخص تركيا، فقد استهجنوا تصرفاتها، وأكدوا تضامنهم مع اليونان وقبرص، دون أدنى حديث عن إجراءات تردعها.