بعيداً عن أي معطيات أو اتفاقات خارج إطار اتفاق السلام بين الفرقاء في ليبيا.. وبعيداً عن أي صفقات تمت في هذا الاتفاق.. أو أي اتفاق غيره في أي بقعة من بقاع الدنيا.. وأيضاً وبعيداً عن الثروة الليبية من النفط والغاز (ويضاف إليها الاكتشافات النفطية والغازية في منطقة حوض البحر الابيض المتوسط)، والتي كانت أساساً بنيت عليه الاتفاقات الأخيرة.. وأيضاً على الرغم من تحقيق مصالح مهمة للدول الكبرى والدول المتدخلة في ليبيا.. إلاّ أنه يظل في النهاية السلام هو غاية الشعوب، وهو غاية نبيلة يرنو إليها العالم أجمع.
وعودة على اتفاق السلام بين الفرقاء في ليبيا، فلا شك أنه إذا ما اكتمل عقد السلام في ليبيا، فإنه سيرشح عنه الكثير من المكتسبات والخير العميم ليس لليبيا فحسب، بل سيحقق الرخاء والاستقرار لمنطقة المغرب العربي برمته، ويحقق الانفراج السياسي والأمني، ويتيح تفعيل مشاريع الشراكة الاقتصادية لليبيا والمنطقة، حيث أثبتت الدراسات المسيحية المشتركة قبل اضطرابات ما يسمى «الربيع العربي» عام 2011، أن حدود ليبيا مع جيرانها، وخاصة مع مصر شرقاً وتونس والجزائر غرباً، مناطق غنية جداً بحقول المحروقات غير المستغلة، وبـ«صحارٍ تزخر بالغاز الصخري الذي قد يجعل من ليبيا خامس أكبر دولة منتجة له في العالم».
إذن فماذا يعني هذا السلام؟ إنه ببساطة يعني استقرار ليبيا عقب صراعات ومآسي طويلة دامت قرابة عقد من الزمن، أي منذ حرب الإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي.
ومن ناحية أخرى، ندعو الله أن تستكمل عملية الاتفاق على السلام في ليبيا كي تصل إلى نهايتها، وألاّ تدخل من جديد في نفس الدوامة التي ظلت تدور فيها قبل الاتفاق، الأمر الذي سيكون إجهاضاً لأحلام الليبيين في السلام والرفاه، وأحلام الدول المجاورة في الاستقرار والتعاون والتكامل والازدهار المشترك. 
ويكفي أن نذكر هنا أن مصدراً مهماً من مصادر الاقتصاد بين ليبيا وجيرانها قد فقد بعد الإطاحة بنظام القذافي، حيث كان يعمل في ليبيا نحو مليوني عامل يقومون بإعالة عائلاتهم في بلدانهم الأصلية، مثل تونس ومصر والمغرب.
وإجمالاً فلا بد من القول بأن كلا من مصر وتونس والسودان تأثروا سلباً بالحرب الطويلة التي شهدتها ليبيا منذ الإطاحة بنظام القذافي.. بما يعني أن آثار إرساء السلام له منافع إيجابية غير محدودة على المنطقة بشكل عام.. وبالتالي فإن التمنيات هنا باستكمال مسار التسوية السياسية في ليبيا وعدم التأجيل أو الانتظار لأي سبب من الأسباب، خصوصاً وأن موعد محادثات التسوية المذكورة يتصادف مع موعد انتخابات الرئاسة الأميركية.. فهل تؤثر هذه الانتخابات في مسار التسوية الليبية؟
ولا بد أن نشيد هنا بالدور الذي أدته دولة الإمارات العربية المتحدة في إيجاد السبل المؤدية لتحقيق السلام والاستقرار في ليبيا منذ بدايات الأزمة فيها عقب الإطاحة بمعمر القذافي، وذلك عبر العديد من الجهود السياسية والدبلوماسية، وعبر مساندتها لجميع مبادرات ومؤتمرات السلام حول ليبيا، وآخرها المؤتمر الذي عقد في برلين، حيث أكدت دولة الإمارات دعمها تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، على أساس عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأكدت خلال ذلك المؤتمر أن رسالتها دائماً للعالم رسالة سلام وتنمية، وأنها تدعم تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا الشقيقة، وعلى قاعدة عدم التدخل في شؤونها الداخلية ومساعدة الشعب الليبي الشقيق، ودعم طموحاته المشروعة في ترسيخ دعائم دولته الوطنية، وتحقيقه الوحدة والتنمية، وتبنّت الإمارات مخرجات مؤتمر برلين، ودعت إلى تطبيقها بحذافيرها، كما ساندت جميع المبادرات التي تصب في هذا الاتجاه، ومنها إعلان القاهرة الصادر في السادس من يونيو الماضي، حيث أكدت الإمارات دعمها للمبادرة المصرية لإرساء السلام في ليبيا وحل الأزمة نهائياً. ومن هنا فإن السلام في ليبيا غاية ملحة للشعوب والدول العربية.