القيم الحيوية المشتركة المتوفرة في المجتمعات المتجانسة، تحتاج بشكل دائم إلى الحماية من الظروف والتقلبات المختلفة، كما تحتاج في الوقت ذاته إلى تخليصها من الإنفلات والتهور والتطرف، عبر المراقبة الدقيقة، وعبر الرؤى الإستراتيجية والخطط المدروسة بعناية فائقة، يقول «تريجر وكرننبرج» عن الأمن القومي بأنه «ذلك الجزء من السياسة الذي يستهدف خلق الظروف المواتية لحماية القيم الحيوية». 
الرؤى الاستراتيجية رأت أن الضرورة ملحة للمصالحة الخليجية التي تضمن قوة الأمن القومي الخليجي وهو بالطبع جزء لا يتجزء من الأمن القومي العربي، فحسب المتغيرات التي طرأت في العالم خلال العام 2020، وهي كثيرة، وعلى رأسها تغير الإدارة الأميركية، وجائحة كورونا واتفاقيات السلام مع إسرائيل وغيرها، جعلت الأمن القومي الخليجي يعتمد على استراتيجية ورؤية مواجهة التحديات، وهي أحد أهم عوامل صناعة الأمن القومي والتي تشمل المتغيرات والعوائق والصعوبات التي تواجه المنطقة، سواء من البيئة الإقليمية أو الدولية، إضافة إلى التحديات الداخلية المحلية التي تواجهها كل دولة بمفردها.
اعتمدت استراتيجية الأمن القومي الخليجي، على مفهوم آخر مهم هو مواجهة التهديدات، وهي القضايا الخارجية التي تهدد استقرار وأمن المنطقة سواء أكانت من الجارة الإيرانية أو من الأطراف حيث تقبع تركيا التي دأبت على تهديد الأمن القومي الخليجي والعربي، ومحاولاتها المستميتة لتهديد المصالح الاستراتيجية لأمن الخليج إضافة إلى أعمالها التخريبية في كل من ليبيا وسوريا وفي شرق المتوسط، والتي استشاطت غضباً عندما وافقت واشنطن على بيع مقاتلات F35 للإمارات بينما فُرض عليها عقوبات أميركية منعتها من صفقات شراء أسلحة أميركية بسبب شرائها منظومة دفاع روسية.
لا شك أيضاً أن الأمن القومي الخليجي قد رأى أيضاً أهمية مواجهة المخاطر، وهي واحدة من أساسيات الأمن القومي التي تشكل أحياناً مجموعة من الضغوط والإحباطات التي ظهرت وتظهر في ظروف البيئة الإقليمية والدولية، ومنها جائحة كوفيد 19 والأضرار الصحية والاقتصادية الناجمة عنها، وكذلك محاصرة ومواجهة الجماعات الإرهابية، ووضع الآليات التي تضمن مواجهة ما قد يظهر منها في المستقبلين القريب والبعيد.
روبرت ماكنمارا يعرف الأمن القومي بأنه التنمية، ومن دون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التي لا تنمو في الواقع، لا يمكن ببساطة أن تظل آمنة، ولذلك فإن مجلس التعاون الخليجي يسعى بقوة إلى الإستفادة القصوى من العوائد النفطية وغيرها لتعزيز التنمية المستدامة اللازمة لأمن الخليج العربي الإستراتيجي، وتعزيز وترسيخ استراتيجية التكامل بين دول التعاون الخليجي، ولا شك أن الخطوات الواسعة التي حققتها الإمارات، على المستوى العالمي، سيجعلها نموذجاً محترفاً يمكن الاهتداء بما قامت بإنجازه على أرض الواقع، والذي انعكس بإيجابية لا حدود لها على المواطن الإماراتي، وكل من يقيم أو يستثمر في الإمارات.
المساعي المتواصلة لتدعيم منظومة الأمن القومي الخليجي، ليست مجرد وسائل دفاعية محدودة، أو أنها تقتصر على الجوانب الأمنية الصرفة، على العكس تماماً، فالقيم الأساسية التي يتم إرسائها تتجاوز الأمن والاستقرار المنشودين إلى ضمان الرفاهية لكل من يعيش في الخليج العربي، مواطناً كان أم مقيماً، حيث إن المصلحة القومية الخليجية العليا تدفع بإنتظام شديد نحو رفع درجة الرفاهية بكافة الوسائل المتاحة، بوأد كل الصراعات التي قد تؤدي أو تتطور إلى حروب في المنطقة، من دون الإضرار بمصالح الدول، كما يحدث في اليمن، وتخفيف أي إحساس بالقلق والتوتر، ومساعدة دول الجوار وكذلك الدول الصديقة والشقيقة، لحل مشكلاتها سواء ذات الطابع الإنساني أو الاقتصادي.
المتخصصون يرون أن أبعاد الأمن القومي تنحصر في المجال العسكري والأمني والمجال الاجتماعي وكذلك المجال الاقتصادي، باعتبار أن البعد العسكري هو أكثر مجالات الأمن القومي وأكثرها فاعلية، من خلال مواجهة التهديدات والمخاطر بالتحصين العسكري والأمني المؤهل، ذات الكفاءة العالية والمتقدمة، وأن البعد الاجتماعي هو الذي يرى الإنسان، ويرى إعداده صحياً وأخلاقياً وثقافياً وحضارياً وفنياً؛ نواة أساسية عند وضع رؤى واستراتيجيات الأمن القومي، وأن البعد الاقتصادي، من خلال توظيف الموارد الاقتصادية ودفع عجلات التنمية المستدامة لأقصى طاقاتها الإنتاجية، ولكن أيضاً، هناك أبعاد أخرى، لا تقل أهمية، كالبعد السياسي والتكتلات السياسية والتحالفات الإستراتيجية، والتي أصبحت تشكل حالياً أهم أبعاد الأمن القومي، وتحديداً الأمن القومي الخليجي.