في السادس من يناير الجاري جاء حشد كبير من أنصار الرئيس دونالد ترامب إلى العاصمة الأميركية واشنطن من أجل المشاركة في «مسيرة أنقذوا أميركا». في البداية، نظّموا تجمعاً في حديقة «ذا ناشيونال مول» وسط واشنطن، ثم ألقى فيهم الرئيس خطاباً استهله بتكرار لازمته التي تقول: «لقد فزنا بهذه الانتخابات، وقد فزنا بها فوزاً كاسحاً»، ثم أضاف: «لا يمكننا أبداً أن نتنازل.. وجميعنا هنا اليوم لا نريد رؤية فوزنا في الانتخابات يُسرق من قبل (الديمقراطيين) الراديكاليين الذي ازدادوا جرأةً». وقال بنبرة حادة: «إننا سنوقف السرقة». ومبعث القلق هو أن الكونجرس كان مجتمعاً ذالك اليوم من أجل التصديق رسمياً على أن جو بايدن وكمالا هاريس هما الفائزان بأكبر عدد من الأصوات في المجمّع الانتخابي، وبالتالي فسيصبحان الرئيس ونائبة الرئيس يوم العشرين من يناير. وحث ترامب حشد مناصريه على السير إلى مبنى الكونجرس (الكابيتول)، قائلا: «سأكون معكم.. وإذا لم تقاتلوا قتالا شديداً فإنه لن يعود لديكم بلد بعد اليوم». 
وهكذا، انطلق المشاركون في المسيرة نحو «الكابيتول»، لكن ترامب لم ينضم إليهم. وبدلا من ذلك، تابع من البيت الأبيض أنصارَه وهم يجتاحون مبنى الكونجرس ويقتحمونه في أخطر هجوم على هذه المؤسسة المهيبة منذ أن أضرم البريطانيون النار في المباني الحكومية الرئيسية في واشنطن خلال حرب 1812، بما فيها الكابيتول نفسه والبيت الأبيض. كان الهجوم صادماً جداً، بالنظر إلى تزامنه مع انعقاد الجلسة المشتركة للكونجرس ومشاركة نائب الرئيس فيها، وإلى تسبب المقتحمين في أضرار وفوضى وأعمال عنف أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل. إن أغلبية المهاجمين كانوا رجالا من البيض، وبعضهم كان يرفع أعلام «الكونفدرالية» (كونفدرالية الولايات الجنوبية التي انفصلت عن الاتحاد إبان الحرب الأهلية الأميركية بين عامي (1861 و1865) وشارة النازيين الجدد. أعمال العنف بُثَّت على التلفزيون على غرار الفشل التام لشرطة «الكابيتول» في احتواء الهجوم. ويبدو أن الرئيس كان جد منهمك في مشاهدة أنصاره وهم يعيثون في مبنى الكونجرس فساداً، لدرجة أنه احتاج لساعات قبل أن يصدر بياناً محتشماً يدعو إلى إنهاء العنف. وبحلول المساء، كانت التعزيزات قد وصلت والمبنى أُخلي من المقتحمين. 
الخبر السار هو أنه عقب ذلك الهياج وتفريق المحتجين، استأنف الكونجرس جلسته، وفي الساعات الأولى من صباح السابع من يناير أعلن نائب الرئيس بشكل رسمي بايدن وهاريس فائزين في الانتخابات، متجاهلا كل مناشدات ترامب لاستخدام سلطته من أجل إبطال التصويت. 
تداعيات هذا الحدث كانت دراماتيكية. ذلك أن الهجوم على مبنى الكونجرس شاهده العالم برمته وتأثيره على ترامب والحزب الجمهوري بدأ يتضح للتو. «الديمقراطيون» وبعض «الجمهوريين» يعتزمون دعم محاولة جديدة لعزل ترامب بتهمة «التحريض على التمرد». تهمة يُتوقع أن تمر عبر مجلس النواب، إلا أنه من غير المرجح أن يتسلم مجلس الشيوخ الموضوع إلا بعد أن يغادر ترامب الرئاسة في العشرين من يناير. وفي هذه الحالة يمكن أن يخضع ترامب مع ذلك للمحاكمة بعد مغادرته السلطة من قبل مجلس الشيوخ الجديد الذي سيكون خاضعاً لسيطرة الديمقراطيين. غير أن عدداً من أقرب حلفاء بايدن يريدون من الرئيس الجديد أن يركز على وباء «كوفيد-19» الرهيب، وإقناع مجلس الشيوخ الجديد بالموافقة على مرشحيه للمناصب الحيوية في إدارته، والانكباب على محاولة علاج الانقسامات الوطنية التي أصبحت عدائية وعنيفة خلال السنوات الماضية الأخيرة. 
هذا الحدث شكّل تنبيهاً للبلاد. فقد أظهر التأثيرَ القويَّ لوسائل التواصل الاجتماعي ومخاطرَ خداع الجمهور الأميركي بشكل مستمر في ما يتعلق بالحقائق خلال الانتخابات الأخيرة ووقائع أخرى كثيرة، بما في ذلك مخاطر «كوفيد-19». ولحسن الحظ، كان هذا التمرد قصيراً، وصمدت المؤسسات الرئيسية للديمقراطية الأميركية، بما فيها القضاء وباقي أجهزة إنفاذ القانون. 
وإذا مضى تنصيب الرئيس الجديد بشكل سلس، فإن بداية جديدة قد تكون ممكنة. غير أنه إذا نظّم أنصار ترامب المتشددون أعمال تمرد عنيفة عبر أرجاء البلاد، فإن شتاء مظلماً سيخيّم على الولايات المتحدة، والقوة والهيبة الأميركيتين ستتقلصان أكثر وستُطرح أسئلة حول ما إن كانت أميركا ستستطيع يوماً ما استرجاع كبريائها وتأثيرها كزعيمة للعالم.