في دولة الإمارات العربية، وطوال السنوات التي انقضت حتى الآن من عمر الدولة الاتحادية، لم تكن التنمية تعني التنمية الاقتصادية وحدها، والتنمية الاقتصادية لم تكن تعني جانباً واحداً فقط كالتنمية الصناعية أو الزراعية أو غير ذلك من الجوانب المنفصلة عن بعضها بعضاً، بل هي تعني التنمية الشاملة المستدامة التي تضم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية.
وفي الوقت الراهن يوجد جيل من المواطنين الذين أصبحوا كهولاً وهم يعيشون في كنف الدولة الاتحادية، وهذا الجيل الجديد منعدم الاهتمام بمفاهيم التنمية التي سادت في المنطقة في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، لكنّ لديهم اهتمامات كبيرة وقناعات بقضايا وطنهم على صعيد التنمية والتحديث.
وهذه نتيجة طبيعية للتنشئة الوطنية الواسعة التي قام بها النظام التعليمي الذي تطور كثيراً في ظل الدولة الاتحادي.
وبالتأكيد أنه لا يوجد خلاف حول الإسهامات التي قدمها التعليم الحديث في الدولة لتعجيل سرعة عملية التنمية والتحديث في البلاد، لكن عمليات التنمية والتحديث ذاتها استدعت تطبيق العقلانية العلمية على استخدام موارد القطر الاقتصادية في سياق عمليات حل مشاكله على كافة الصعد.
لذلك فإن العديد من المواطنين، الذين لهم أدوار مباشرة في عمليات التنمية، خاصة أولئك الذين يهتمون بشكل مستمر وعميق بالتقنيات الأخلاقية والثقافية الأساسية وبالمشاكل المتعلقة بالخير العام يجدون أنفسهم في أوقات كثيرة غير قادرين على تطوير قناعات واسعة بكيفية المواءمة بين المناهج العلمية البحتة الخاصة بالتنمية وبين البراجماتية العملية، التي تطال الأوضاع القائمة أو تلك التي يمكن أن تنبثق عنها.
وبالنسبة لأولئك، فإن من الثابت أن المتخصصين التكنوقراطيين في المجالات العلمية المختلفة يتعين عليهم معالجة الكثير من مشاكل بناء الدولة والمجتمع الأساسية والتنمية والتحديث بالشكل الصحيح الذي يرونه مناسباً لأسباب موضوعية مرتبطة بخصوصية دولة الإمارات.
وتكفي الإشارة هنا إلى القول بأنه طالما أن نظريات التنمية الحديثة الموجودة الآن في أذهان المتعلمين من مواطني دولة الإمارات من المتخصصين تتجنب التعامل مع القضايا المعيارية الأساسية عن طريق طرح أسئلة فكرية ذات طبيعة أيديولوجية صرفة لا تتماشى مع القيم السائدة في المجتمع، فإنهم يسيرون على الدرب الصحيح.
وطالما أن الاستراتيجيات التنموية غير مربوطة بمتغيرات أيديولوجية، فإن الأمل كبير في أن تنعم البلاد بالمزيد من الاستقرار وبالمزيد من التقدم والرقي، وفي أن يتم عبر نماذج التنمية المستخدمة حالياً من خلال الدولة الاتحادية الإمساك بالتحديات والمشكلات التي تواجهها، ومن ثم حلها خدمة للدولة والمجتمع.
ولكي يتمكن أهل الإمارات دولةً وقيادةً وحكومةً ومجتمعاً من تعريف مشاكل وطنهم واحتياجاته الوطنية، وبكل ما يتعلق بشعورهم الخاص بماهية الأهداف الوطنية العليا، ولكي يوضحوا صورة ونوع المجتمع الذي يريدونه على مدى السنوات الخمسين القادمة، ويريدون لأنفسهم التحول إليه، ولكي يربطوا أنماط القيم الجديدة بالحقائق التراثية والاجتماعية الثابت منها والمتغير، ولكي ينيروا الطريق القويم لأنفسهم، ولكي يتعرفوا على العديد من العوائق التي يمكن أن تكون كامنة أمامهم، ومن ثم البحث عن طريق بديلة لتجاوزها، ولكي يتمكنوا من الوصول إلى أهمية كل نمط من أنماط التنمية الشاملة المستدامة وبعلاقة ذلك بالأهداف العليا، يتوجب عليهم مواجهة التحديات وجهاً لوجه عن طريق تمسكهم وتسلحهم بثوابتهم في حب الوطن والتكاتف والتعاضد والمحافظة على الدولة الاتحادية، وبأن يسيروا عبر مسالك التنمية الخاصة بهم وحدهم، بالإضافة إلى القيام بالتحرك الحذر ضمن إطار عمل محكم يهدف إلى إعادة تأسيس منهجياتهم وأساليبهم التي تقوم عليها التنمية المنشودة ضمن أطر زمنية محددة ذات خطط زمنية محددة تتم ضمنها مناقشة القضايا ذات الخصوصية المتعلقة بوطنهم الاتحادي.
*كاتب إماراتي