«أطفالك ليسوا أطفالك، إنهم أبناء وبنات الحياة التوّاقة لنفسها»، قال ذلك الشاعرُ جبران خليل جبران، وقد يكون قوله الجواب الشعري الحميم على أسئلة الجائحة التي وضعت الحياة كلها موضع تساؤل. وأعقد أسئلة الجائحة يتعلق بالعلاقات الدولية، التي لم تتغير، وبالأحرى لا تريد أن تتغيّر. لماذا يستمر الخلاف بين الشرق والغرب، بل يتفاقم، حتى يشمل لقاحات الوقاية من فيروس «كوفيد-19»، فيما الوفيات به بلغت مليونين و600 ألف، وعدد الإصابات تجاوز 117 مليوناً! ولم يتغير اتهام واشنطن بحق بكين منذ إطلاق تسمية «فيروس ووهان» مع بداية اندلاع الجائحة مطلع العام الماضي، حتى القضاء عليها في عموم الصين! والاحتفال هذا الأسبوع بمهرجان تفتح زهور أشجار الكرز في مدينة «ووهان»، حيث شارك مئات الألوف من الأطباء والعاملين بالأمور الصحية، ومعظمهم هُرعوا في هذا الوقت من العام الماضي من كل أنحاء الصين لحماية المدينة المصابة، وأنقَذوها. ورُفعت منذ مايو الماضي حالة الحجر عن جميع أرجاء الصين، المفروضة حالياً في معظم بلدان العالم.
وأخطر أسئلة الجائحة يتعلق بالأرقام القياسية العالمية التي سجلتها الولايات المتحدة، حيث تجاوز النصف مليون عدد الوفيات بفيروس «كوفيد-19»، تليها البرازيل التي يزيد عدد الوفيات فيها على 272 ألفاً، ثم المكسيك (193 ألفاً)، فالهند (نحو 190 ألفاً)، تليها بريطانيا حيث تجاوز عدد الوفيات 125 ألفاً. والتساؤلات العلمية الصعبة حول فيروس كورونا كالأسئلة الاجتماعية المعقّدة عن التغيرات الراديكالية في الولايات المتحدة، والتي يحول حجمها الضخم دون رؤية أسبابها ونتائجها. تُعبّر عن ذلك سلسلة مقالات للكتاب الأميركيين شرعت بنشرها «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي، تناولت سياسات أطلقتها الحكومة الأميركية على مختلف المستويات، كان معظم السكان، وخصوصاً السياسيين، يعتبرونها حتى قبل بضعة أشهر من الآن، سياسات راديكالية أو ساذجة، بينها قرارات اتخذها محافظو الولايات تخلي الشوارع من السيارات، وتجعل المدن آمنة للمارة. وضاعفت حكومات الولايات ثلاث مرات تقريباً معونات العاطلين. وفي غضون بضعة أسابيع ألغت الدفوعات الطبية الباهظة للسجناء، وكفالات إطلاق السراح. وتساعدنا الأحداث الجارية في الولايات المتحدة على فهم ليس ما جرى فحسب، بل توقع ما سيجري أيضاً، بما في ذلك استمرار الرئيس السابق في الحصول على نصف أصوات الناخبين الأميركيين على الأقل، على الرغم من تحميله أسباب اندلاع الجائحة، والانهيار الاقتصادي الجسيم.
هل يحدث للعالم ما توقعه قبل أكثر من قرن جبران خليل من أنه من المعاناة انبثقت أقوى الأرواح، وأن أشد الأشخاص وأقواهم شكيمة مُقرَّحون بالجروح؟

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا