يواجه العراق أصعب أزمة مالية في تاريخه. وهو يعاني من عجز بلغ 48.2 مليار دولار، بما يعادل 46.6% من إجمالي موازنته للعام الحالي. وقد طلب قرضين من صندوق النقد الدولي بقيمة 10 مليارات دولار لسد جزء من هذا العجز، على أن يتم الحصول على قروض أخرى بدعم من بعض مؤسسات التمويل الدولية التي فوجئت بتحول العراق من «عملاق نفطي» وثاني منتج في «أوبك» بعد السعودية، باحتياط مثبت قدره نحو 150 مليار برميل، وصاحب فائض السيولة الكبيرة.. إلى بلد يعاني من عجز مالي، ومن مديونية كبيرة لبعض الدول ومصادر التمويل الخارجية. والأخطر من ذلك أنه تحول إلى بلد فقير، حيث بلغت نسبة الفقر فيه نحو 40%، ليصل عدد الفقراء 16 مليون نسمة، منهم 10 ملايين يعيشون تحت خط الفقر. 
وفي محاولة من حكومة بغداد لاستعادة «ثقة» العالم باقتصاد العراق، اضطرت للموافقة على شروط قاسية فرضها الصندوق، وهي تمر بفترة اختبار لمدى التزامها بتنفيذ سلسلة خطوات إصلاحية، تتلخص في: إصدار قانون للإدارة المالية، إخضاع الديون الخارجية والداخلية للتدقيق، إدخال هيئة النزاهة كطرف فاعل في المتابعة المستقلة للإنفاق، تعديل قانون البنك المركزي، منع تهريب العملة، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وكذلك اعتماد وثيقة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، لاسيما بعدما أصبح العراق في المرتبة 12 على لائحة البلدان الأكثر فساداً في العالم، حسب منظمة الشفافية الدولية.
وانطلاقاً من هذا الواقع المؤلم، وصف الرئيس العراقي برهم صالح ملف الفساد بأنه «خطير وضخم، وبحاجة إلى معالجات أوسع وأعمق»، واعتبر أن «ضرب الفساد المالي يعد ركيزة أساسية لاستتباب الأمن، وبدونه لن يستتب الأمن»، ووعد العراقيين بـ«وضع مدونة قانونية تتناول آليات لاسترداد الأموال المنهوبة من العراق والموجودة في الخارج».
ووفق مصادر برلمانية، أهدرت الحكومات المتعاقبة، نتيجة تعميم الفساد، أكثر من تريليون دولار. وتترواح تقديرات الأرقام حول حجم الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج، بين 240 مليار و450 مليار دولار. لكن هل يمكن استرداد هذه الأموال؟ وما هي آلية «المدونة» العراقية المرتقبة؟
وعلى الرغم من عدم معرفة أي معلومات عن الآلية التي ستعتمدها «الرئاسة العراقية»، فإن بعض الخبراء يؤكدون صعوبة استرداد الأموال المنهوبة، خصوصاً في ظل استغلال «السرية المصرفية»، وهو نظام قانوني مصرفي يسمح للمصارف بالحفاظ على سرية المعلومات المتعلقة بزبائنها عن طريق استعمال عدة طرق، منها أرقام لحسابات مصرفية بدلا من أسماء حقيقية. لذلك يلاحظ أن حكومات دول عديدة تعجز عن تتبع أموالها المنهوبة.
وتبقى الإشارة إلى أن التحرك الدولي، هو الطريق الأفضل لاسترداد العراق ما يمكن استرداده من أمواله المهربة، وذلك باللجوء إلى تطبيق الاتفاقية الدولية لغسيل الأموال والتي وقع عليها عام 2007، والاستفادة بما تسمح به اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. إضافة إلى حق العراق في طلب المساعدة الدولية لأنه من الدول التي تحارب الإرهاب (داعش) تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. وكذلك التعاون مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، وفق المادة 28 من الاتفاقية العراقية الأميركية لسنة 2008.

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية