دائماً ما تشغلني الجغرافيا المتصلة عندما تكون حالة عدم الاستقرار هي قاسمها الأكبر، وقريباً نلج أغسطس بملمح جيوسياسي سيكون مغايراً في كل تفاصيله. حيث سنتلمس عن قرب وواقعية مستقبل أفغانستان بشكل أكثر وضوحاً، وإيران في عهدة وعهد رئيس جديد، أولويته الأولى استدامة نظامها السياسي، مهما كانت كلف ذلك إيرانياً، بما في ذلك واقع ملفها النووي، فهو اختير على ذلك الأساس، أما العراق، فهو على أعتاب انتخابات وطنية من دون كهرباء وعودة أو ربما إعادة «داعش». أي أننا نتحدث عن جغرافيا مساحتها الكلية المتصلة «قرابة» 2.740.000 كم2 (مليونان وسبعمائة وأربعون ألف كيلومتر مربع)، وإجمالي تعداد سكاني يفوق 196 مليون نسمة. ولن أثقل عليكم بمستوى متوسط دخل الفرد، أو إجمالي الناتج القومي لكل منها، ناهيك عن التوقعات الخاصة بإدارتها جائحة كوفيد-19.

ما استحضر هذا المقال هو برنامج حواري كان محوره الرئيس (مشروع الشام الجديد)، وما خلص إليه الضيفان هو أن ضمانة نجاح المشروع هو وجود الدعم المالي السعودي والإماراتي، أما ماهية هذا المشروع، فقد كان تائهاً إلى حد بعيد من حيث «التعريف» رغم الاجتهاد في الإجابة عن ذلك. إلا أن اللافت في هذا المشروع هو اتصاله بما سبق من جغرافيا، والسؤال: هل ستضيف هذه الجغرافيا تحديات مستقبلية من المنظور الجيوسياسي، الإنساني، والإسلامي. أفغانستان اختارت الصين شريكاً استراتيجياً، بل وأمنت تلك الاستثمارات الصينية على أراضيها، مثل منجم أيناك للنحاس إلى منطقة تعدين خام الحديد في «حاجي جاك»، ومجال الثروات المعدنية واعد جداً في أفغانستان، لدرجة أن الصين تفكر جادة في إعادة رسم طريق الحرير ليشملها.

نجاح أو فشل ذلك هو أمر بيد الدولتين، إلا أنه نموذج يمكن البناء عليه إذا قررت «طالبان» أن تتبنى فلسفة الدولة، لا الدعوة بقوة السلاح. وكما يقول المثل «يمكنك أخذ الحصان إلى النبع، إلا أنك لن تجبره على شرب الماء». فهل ستنجح الصين في التحول إلى ما يتجاوز الضامن الاقتصادي لكل من باكستان، أفغانستان وإيران، وما هي تأثيرات ذلك جيوسياسياً، ونحن جزء من ذلك الفضاء.

أما إيران، فإنها في عهدة الرئيس إبراهيم رئيسي وعهده باستدامة النظام السياسي، مهما بلغت كلفة ذلك إيرانياً، وبمعزل أكانت إيران قد توصلت لاتفاق حول ملفاتها مع مجموعة 5+1 أو لم تتفق. وسيمثل ضم أفغانستان للفضاء الصيني جيواستراتيجياً تمكيناً أكبر لإيران أفغانياً. فهل يجب التحضير للتعامل مع هذا الجار الإقليمي، إما من منظور الدولة الفاشلة، أو انتظار إعلان بكين عن برنامجها الخاص بأفغانستان، وهل سيعتمد مبدأ خدمة المصالح الإقليمية المشتركة.

أما العراق، فهو مقبل على انتخابات ستكون استحقاقات فشل مشروع الأغلبية الطائفية عنوانه الرئيس، والمنتفضون على النظام هم تلك الأغلبية. والعراق بين التفاتة وغمضة عين، تحول من نصر مظفر على تنظيم «داعش»، ليعود مستهدفاً كامل بنى العراق التحتية من محطات توليد إلى شبكات النقل بتفجيرات تجاوزت السبعين من شمال العراق إلى جنوبه.

ونترك للقارئ قراءة مدلولات عودة أو إحياء التنظيم. فهل ستجبر جملة تلك المستجدات واشنطن على إعادة تقييم الوضع من منظور استراتيجي، وتقرر البقاء كما تعهدت للعراقيين وحلفائها، أم أنها ستقرر الانسحاب من منطلق سياسي محدود القيمة زمنياً دون الالتفات لتبعات ذلك استراتيجيا. المشهد ليس قاتماً، بل شديد القتامة، مما يستلزمنا إجراء مراجعات تحدد المسارات على ضوء ما يخدم منها مصالحنا الوطنية أولاً، والجيوسياسية لا الإقليمية ثانياً، وذلك لشدة تداخل تفاصيل ما أدخلناه نحن على ذلك المفهوم في قاموسنا السياسي.

أما أخيراً، فيجب العمل بمبدأ «ترك التجارة تجارة» حتى وإن كان ذلك ذا صلة عربية أو إسلامية.

* كاتب بحريني