ما أن بدأ أولمبياد طوكيو حتى حام حوله الجدل. ولطالما كان العرق في محور هذه السجالات. وإذا كان الماضي مقدمة نسترشد بها، فالمزيد من الحوادث المرتبطة بالعنصرية ستظهر في المباريات، لأن المتعصبين لطالما رأوا في البطولات الأولمبية منصة لإثبات تحيزاتهم بينما استخدمها الرياضيون من غير البيض للعصف بهذه الصور النمطية. وتلاقي الرياضة والعنصرية له تاريخ طويل للغاية في دورات الألعاب الأولمبية. ففي عام 1904، قرر المسؤولون في دورة أولمبياد في مدينة سانت لويس الأميركية تنظيم «أولمبياد خاص» أُطلق عليه لاحقا «أيام الأنثروبولوجي».

وهذه المنافسة الإضافية كانت في الأساس من بنات أفكار جيمس إدوارد سوليفان، منظم المباريات، ووليام مكجي، رئيس الاتحاد الانثروبولوجي الأميركي ورئيس الجمعية الجغرافية القومية. وكان الهدف، كما ذكر «مكجي»، هو إثبات، «بطريقة كمية، دونية الشعوب البدائية في التنسيق بين العقل والجسم مما يمثل فيما يبدو نتيجة التطور الإنساني ومقياس تحقيق التفوق البشري». وكان الرجلان والمنظمون الآخرون يعكسون الميول الفكرية المهيمنة في ذاك الوقت وهي الإيمان الراسخ بالتفوق الانجلوسكسوني والتطور الوراثي والاجتماعي في نظرية داروين.

فقد سعى الأوروبيون والأميركيون، بل واليابانيون، إلى تقديم مسوغات لميولهم الاستعمارية وإخضاع غير البيض «الأقل شأنا». وبالنسبة لأشخاص مثل مكجي، أصبحت الرياضة وسيلة أخرى لإثبات تفوقهم ومسوغ لجهودهم. وجمع المنظمون أشخاص من العالم غير الصناعي كانوا يشاركون بالفعل في الوقت نفسه في معرض العالم عام 1904 الذي أقيم أيضا في سانت لويس.

وكان منظمو المعرض يقدمون عروضا تلقي الضوء على طرائق الحياة البدائية لكثير من الشعوب، خاصة في أفريقيا وآسيا، وأيضا للشعوب الأصلية في الولايات المتحدة والمكسيك. وأراد منظمو «الأولمبياد الخاص» الذي أصبح يعرف باسم «مباريات الهمج»، اختبار فكرة أن «الهمجي المتوسط سريع العدو، قوي الأطراف، يجيد استخدام القوس والسهم وضليع في الرشق بالحجارة».

ونظم المشرفون على المباريات منافسات مهينة مثل تسلق الأشجار والتقاذف بالوحل. وقدم المنظمون منافسون من البيض، من الأميركيين في الأساس، لكنهم رتبوا الأوراق لتصبح ضد المنافسين غير البيض. فقد شرح الحكام قواعد اللعب بالانجليزية التي لم يكن يفهما إلا قلة من المنافسين غير البيض. ولذا لا مفاجأة في النتائج التي رجحت كفة البيض.

وتهكم المشاهدون على ضعف أداء المشاركين وكان من بينهم متسابق قصير من الكونجو بأسنان حادة وصفه المنظمون بأنه من «أكلة البشر». وسخروا من المتسابقين الأفارقة الآخرين واحتفوا بانتصارات البيض. واستخدم المنظمون بعض الأحداث لتعزيز الصور النمطية القائمة عن الارتباط الوثيق بين الملونين والقردة التي لم تتطور. فقد تباهي سوليفان بتقرير عن أداء رائع في التسلق من متسابق فلبيني من قبيلة ايجوروت. ومن المثير للسخرية أن الفائزين لم يحصلوا على ميداليات بل مُنحوا العلم الأميركي، في علامة أخرى على هيمنة أفكار التفوق العرقي للامبريالية الأميركية في ذاك الوقت.

وأكد المراقبون على «دونية» الشعوب الأصلية. فقد رأى «سوليفان» أن الأداء يثبت «قطعاً أن الهمج ليسوا رياضيين بالفطرة كما أُريد لنا أن نعتقد». وجادل آخر بأن المنافسات ساعدتنا على إثبات أن «الرجل الأبيض يتقدم أعراق العالم بدنيا وعقليا». والواقع هو أن كل هذا كشف عن تعصب المنظمين واستخدامهم أي وسيلة لإثبات تحيزاتهم. لكن هذه الأفكار ظلت مهيمنة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

لكن لم يكن الجميع يوافقون على هذا التوجه، فقد شكا البارون «بيير دي كوبيرتين»، مؤسس الحركة الأولمبية الحديثة، مما حدث. وصرح بمرارة قائلاً «لا يجرؤ أحد في مكان آخر غير أميركا أن ينظم مثل هذه الأحداث في برنامج». وبعد ثلاثة عقد تقريبا، ظل غاضبا من المهزلة لكن كان يرى أن العالم تقدم منذئذ وحقق تقدما في الروح الرياضية. وكان مصيبا في هذا.

فحتى في دورة الألعاب الأولمبية الفعلية في عام 1904 كان للمتسابقين غير البيض تأثير. فقد رفض الأفريقي الأميركي «جورج بواج» دعوات مقاطعة المباريات بسبب سمعة سانت لويس السيئة في العنصرية وفاز بميداليتين برونزيتين. وفاز رجل من قبيلة تسوانا الأفريقية- كان من المشاركين في معرض حرب البوير في المعرض الدولي- بالمرتبة التاسعة في سباق الماراثون رغم خروجه عن مضمار في رحلة امتدت ميلا في حقول الذرة بسبب مهاجمة الكلاب له. وحدث تقدم سريع. ففي عام 1912، أبهر «جيم ثورب» وهو من الأميركيين الأصليين، العالم في مباريات «أوسلو» بفوزه بميداليتين ذهبيتين. وأعلن الملك النرويجي في ذاك الوقت أن «ثورب» هو أعظم رياضي في العالم. وحطم الرياضي الأميركي الأفريقي «جيسي أوينز» أسطورة التفوق الآري في أولمبياد برلين عام 1936 وأثار غضب هتلر بتفوقه الباهر في رياضة المضمار والميدان.

وحصل رياضيون مثل «أوينز» على فرص لم تكن متاحة من قبل، واستطاع هو وآخرون، مثل الملاكم جو لويس، تحطيم الصور النمطية السلبية بما حققوه من إنجازات. وبعد الحرب العالمية الثانية، سجل عدد من الرياضيين غير البيض أرقاماً قياسية في بطولات الأولمبياد.

ورغم ما يثبته هذا الأداء من عدم وجود علاقة بين العرق والمهارة الرياضية، مازالت قضايا العرق مثار جدل في الرياضة، خاصة على مدار نصف القرن الماضي. وأدى هذا إلى حوادث متواترة إلى حد كبير أثناء البطولات الأولمبية، تضمنت احتجاجات جون كارلوس وتومي سميث عام 1968 ومقاطعة الأفارقة لدورة الألعاب الأولمبية في مونتريال بسبب استضافة جنوب أفريقيا (العنصرية في ذاك الوقت). وظل الأولمبياد ساحة لدعم التغير الاجتماعي وأحيانا محاولة لترسيخ وجهات النظر العنصرية المتعصبة.

 وقياسا على حوادث التاريخ، قد يجأر المحافظون بالشكوى من «تسييس» الأولمبياد دون الاعتراف بأن المنظمين البض والعنصريين لطالما نظروا إلى المباريات باعتبارها ساحة لتعزيز وجهات نظرهم السياسية. وكما توضح لنا «مباريات الهمج» عام 1904، فقد شكلت العنصرية ومازالت تشكل جانبا من الرياضة وهي قائمة لدى بعض المجتمعات.

* مدير برنامج الحرب والمجتمع في جامعة تشابمان.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»