رغم إدراك الكثيرين، وخصوصاً المتخصصين في مجال الصحة العامة والبيئة، بفداحة تلوث الهواء على صحة أفراد الجنس البشري، إلا أنه على ما يبدو أن الخطر أكبر بكثير مما كان يعتقد هؤلاء. وهو ما دفع بمنظمة الصحة العالمية نهاية الأسبوع الماضي، إلى خفض الحد الأقصى الآمن للملوثات الرئيسية، مثل أوكسيد النيتروجين. والمقصود بالحد الأقصى الآمن، هو الحد الذي إذا ما كان مستوى التلوث أدنى منه، فلا خطر حينها على صحة الإنسان. وما قامت به منظمة الصحة العالمية هو خفض هذا الحد، بحيث أصبحت مستويات من التلوث كانت تعتبر سابقاً آمنة، غير مقبولة حالياً.
ويأتي قرار المنظمة الدولية على خلفية حقيقة أن تلوث الهواء ينتج عنه أمراض عدة، تتسبب في الوفاة المبكرة لسبعة ملايين شخص سنوياً. مما يضع تلوث الهواء مع التدخين في نفس المرتبة، وأيضاً مع الغذاء غير الصحي، كأحد أهم أسباب الوفيات المبكرة. وتتحمل شعوب ومجتمعات الدول متوسطة الدخل والفقيرة، العبء المرضي الأكبر لتلوث الهواء، سواء على الجانب الإنساني أو الجانب الاقتصادي، نتيجة الاعتماد بشكل أكبر على مصادر الطاقة الأحفورية، كركيزة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي المنشود.
وتعتبر التوصية الأخيرة بخفض الحد الأقصى الآمن للملوثات، هي الحلقة الأخيرة في سلسلة مماثلة من الخفض خلال السنوات والعقود الأخيرة، تماشت مع تزايد الإدراك بخطورة ملوثات الهواء على صحة الإنسان، وخصوصاً ما يتعلق بأمراض القلب والرئتين. فالدراسات السابقة تظهر أن في الأيام التي ترتفع فيها مستويات تلوث الهواء فوق المعدلات الطبيعية، يزداد إجمالي حالات الإصابة بالأزمات القلبية الشديدة. وتظهر الدراسات أيضاً أن في الأيام التي يرتفع بها تلوث الهواء في المدن، تزداد أيضاً عدد حالات الإصابة بالسكتة الدماغية، كما تزداد عدد حالات الإصابة بالربو أو الأزمة الشعبية بين البالغين والأطفال على حد سواء.
وحسب التوصيات الأخيرة هذه، تبلغ تركيزات التلوث المسموح بها حالياً في بعض الدول، أربعة أضعاف الحد الأقصى الآمن المسموح به. وهو ما سيضع حكومات هذه الدول أمام تحد هائل، إذا ما سعت نحو خفض تركيزات التلوث للحدود الآمنة، وهي مهمة ستزداد صعوبة، إن لم تكن مستحيلة، لسكان المدن على وجه التحديد. وللأسف، تقع معظم مصادر تلوث الهواء الخارجي، خارج نطاق تحكم الأفراد، أو سلوكياتهم الشخصية، حيث غالباً ما يتطلب التحكم في هذه المصادر، سياسات فاعلة على المستويين الوطني والدولي، وتدابير محددة من الصناعات المختلفة، وخصوصا من قبل من القطاعات الاقتصادية المقترنة بالتسبب في إنتاج كميات كبيرة من الملوثات بمختلف أنواعها.
كاتب متخصص في الشؤون العلمية.