تم اختتام جلسات مؤتمر القمة العالمية لحماية المناخ «COP 26» التي انعقدت في مدينة جلاسجو الأسكتلندية، والذي يناقش أجندة مطولة من القضايا البيئية والمناخية التي محورها إيجاد حلول للحد من التغييرات المناخية والاحتباس الحراري. انطلقت أعمال المؤتمر في نهاية شهر أكتوبر 2021 واستمرت إلى الثاني عشر من نوفمبر الحالي، وشاركت فيه حوالي 197 دولة، بالإضافة إلى نحو 25 ألف شخص هم ناشطون بيئيون وصحفيون وعلماء في شؤون البيئة. وقد انطلقت أعمال المؤتمر بالتأكيد على ضرورة الفعل السريع لمواجهة ظواهر أزمة المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض، وبالحث على إيجاد مخارج وطرق ووسائل لاحتواء الاحتباس الحراري الذي تزداد وتيرته ووصل إلى مستويات مقلقة جداً.

وقد صرح رؤساء حكومات ومسؤولون كبار في المؤتمر بأن هذه هي الفرصة الأخيرة أمام دول العالم للتوصل إلى تعهدات تفضي إلى حلول جذرية لمشكلة ارتفاع درجات الحرارة، هذه قبل أن يتعرض كوكب الأرض لكارثة كبرى ربما لا يمكن تداركها حين تقع. بغض النظر عن صحة هذا الطرح القوي أو دقته، أو من حيث كونه طرحاً يهم أمم الأرض جميعها أم يخص فئة أو مجموعة فقط، وهي تلك الدول التي تقع في شمال الكرة الأرضية، نظراً لقربها من القارة القطبية الشمالية التي بدأت الجبال الجليدية فيها في الذوبان التدريجي بالفعل، وأخذت مناسيب المياه ترتفع بسرعة في المناطق القريبة منها ومهددة بالفيضان، إلا أن مسألة القلق من التغيرات المناخية وارتفاع درجة حرارة الأرض على نطاق واسع، والتلوث البيئي في كل بقعة من الكرة الأرضية صارت أمور حقيقية وواقعة وتطال الجميع.

ومنذ ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين ووصولاً إلى وقتنا الراهن طرح العلماء المختصون توضيحات وشروحات بيئية عديدة بعضها علمي تجربي وبعضها الآخر نظري فلسفي حول التدهور المناخي والبيئي الحاصل على مدار العالم وحول استراتيجيات المحافظة عليها وصيانتها من المزيد من التدهور، لكن دون التوصل إلى النتائج المرجوة أو المرضية. وفي الوقت نفسه، فإن التدمير البيئي الإجمالي زادت وتيرته بشكل درامي، وزادت وتيرة ارتفاع درجة حرارة الأرض سنوياً. وقبل ذلك ومنذ بداية ثمانينيات القرن الماضي ظهرت مشاكل بيئية عالمية رئيسية كاتساع ثقب طبقة الأوزون، وتأثيرات انبعاث الغازات في الجو أو ما يعرف بـ «الجرين هاوس»، بالإضافة إلى تزايد الخسائر على صعيد المخلوقات الحيوانية والنباتية على وجه الأرض التي أخذ العديد منها في الانقراض كلية، وفي عدد من الحالات لأسباب غير معروفة، دع عنك الإساءة في استخدام الغابات أو الصيد الجائر أو التمادي في استخدام مصادر الطاقة غير النظيفة، خاصة الفحم الحجري.

ويدعى عدد من علماء الأحياء الغربيون من جامعات مرموقة كاكسفورد البريطانية وهارفارد الأميركية بأن انقراض العديد من الأحياء النباتية والحيوانية التي يتسبب فيها البشر بسبب ممارساتهم الخاطئة قد ارتفع من ألف مخلوق في العام تقريباً سنة 1970 إلى ما يزيد على خمسة عشر ألف مخلوق تقريباً في وقتنا الحاضر وربما بأكثر من ذلك. ووفقاً لهؤلاء العلماء، فإنه ما لم تحدث تغيرات جذرية في ممارسات البشر تجاه البيئة الطبيعية على مدار العالم، فإن الأمور ستسير من سيئ إلى أسوأ، وبشكل درامي على مدى العقد القادم. ونحن إذ نشير إلى ذلك، ونتحدث حول الموضوع بهذه الصورة القاتمة، ومؤتمر المناخ اختتم أعماله في جلاسجو، فإن حالة البيئة الطبيعية للكرة الأرضية في الوت الراهن تتكون من مجموعة من المتناقضات المسيئة للبشرية جاعلة من الأمور غير متناغمة. فعلى سبيل المثال العديد من الدول الصناعية الكبرى المشاركة في المؤتمر حالياً تتباكى بحسرة على ما وصلت إليه حالة درجة حرارة الأرض من تردي في الوقت نفسه، الذي تتسبب فيه دولتان منها فقط في ثمانين بالمائة مما يحدث للكرة الأرضية على هذا الصعيد. وأيضاً المنظمات البيئية المستقلة المنادية بالإصلاح حققت في بعض الحالات نجاحات مشهودة، لكنها في حالات أخرى استجابت للضغوط الواقعة عليها بسهولة سياسياً واقتصادياً وقانونياً وتكنولوجياً، ما جعلها غير قادرة على حماية البيئة، فهل يتمخض عن نتائج مؤتمر جلاسكو شيء جديد قوامه الالتزام الأخلاقي من قبل الجميع تجاه المحافظة على كوكب الأرض.

* كاتب إماراتي