بين الحين والآخر، تتحرك فجأة الصفائح الجيوسياسية التكتونية التي تحمل الاقتصاد العالمي، وذلك بطرق يمكن أن تزعزع كل شيء على سطحها.

وهذا هو ما يحدث حالياً في مجال الطاقة في الواقع. ذلك أن تضافر عدة عوامل قد يزعزع استقرار أسواق الطاقة الأوروبية بما يكفي، لدرجة أن مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في جلاسجو، اسكتلندا، قد يشهد انقطاعات في الكهرباء بسبب نقص الطاقة النظيفة. أجل، إنها هزة كبيرة! فأسعار الغاز الطبيعي والفحم في أوروبا وآسيا بلغت للتو أعلى مستوياتها المسجلة، إذ ارتفعت أسعار النفط في أميركا إلى أعلى مستوى لها منذ سبع سنوات، وازدادت أسعار البنزين الأميركي بدولار واحد للجالون منذ العام الماضي.

وإذا كان هذا الشتاء سيئاً مثلما يتوقع بعض الخبراء، فإنني أخشى أن نرى رد فعل شعبوياً غاضباً ضد كل الحركة المناخية/الخضراء. والواقع أنه باستطاعة المرء منذ الآن استشراف ذلك في بريطانيا. الخبر السار هو أن كل الاقتصادات الكبيرة انخرطت في تقليص بصماتها الكربونية، من خلال الإنهاء التدريجي لأنواع الوقود الملوِّث مثل الفحم لتدفئة المنازل وتزويد الصناعات بالكهرباء.

أما الخبر السيئ، فهو أن معظم البلدان تفعل ذلك بطريق غير منسقة تماماً، من القمة إلى الأسفل، وقبل أن تنتج السوق ما يكفي من الطاقات المتجددة النظيفة مثل الرياح والشمسية والمائية. وإذا كنت لا تملك ما يكفي من الطاقات المتجددة ولكنك تريد تبنّي مصادر الطاقة الخضراء النظيفة، فإن الشيء الجيد التالي هو الغاز الطبيعي، الذي ينتج نحو نصف كمية ثاني أوكسيد الكربون التي ينتجها الفحم. غير أنه لا يوجد ما يكفي من هذا «الوقود الانتقالي».

ولهذا، فإن الجميع يتهافت على حيازة كميات أكثر، ولهذا السبب، باتت روسيا أكبر مزود للاتحاد الأوروبي بالغاز عبر خطوط الأنابيب في موقف قوي، والأسعار ترتفع بشكل صاروخي إلى جانب الانقطاعات الكهربائية، غير أن هذا لا يقتصر على أوروبا فقط. فأزمة الطاقة يمكن أن تؤثر أيضاً على موردي السيراميك والفولاذ والألومينيوم والزجاج والإسمنت في الصين، كما يقول تقرير لـ«بلومبرج بيزنيس ويك»، وأن تضع الأسر في البرازيل أمام فواتير طاقة صادمة لأن انخفاض تدفقات مياه الأنهار أدت إلى خفض إنتاج الطاقة المائية. ولكن كيف ظهر جانب الخبر السيئ من هذه القصة بهذه السرعة؟

الواقع أن المسؤولية يتحملها كوفيد 19. فقد ظهر الوباء وبث رسائل لكل اقتصاد كبير بأننا متجهون نحو ركود عميق. وهو ما تسبب في انخفاض في كل أنواع السلع، بما في ذلك النفط والغاز.

وهذا بدوره دفع البنوك إلى وضع حد لاستثمارها في قدرات جديدة للغاز الطبيعي وآبار خام بعد سبع سنوات من تدني الاستثمار في هذه المحروقات بسبب ضعف العائدات. غير أن الاقتصاد استعاد عافيته – بفضل برامج التحفيز الحكومية – بشكل أسرع مما كان متوقعاً، وكذلك فعل الطلب على الطاقة. ولكن هذا القطاع لا يزداد إنتاجه بسرعة. ولهذا، لم يكن هناك غاز طبيعي كاف لسد النقص، ناهيك عن الطاقة المتجددة.

صحيح أن لدى أميركا ما يكفي من النفط والغاز الطبيعي لتلبية احتياجاتها في الوقت الراهن، ولكن قدرتها على تصدير الغاز الطبيعي المسال لمساعدة الآخرين محدودة، وخاصة في وقت تحاول فيه كل منشأة في أوروبا وآسيا احترام المعايير البيئية والاجتماعية والحكومية الجديدة بخصوص الطاقة النظيفة، وبالتالي تتوق لاستيراد الغاز الطبيعي. وبالطبع، حينما تقفز كل البلدان في الوقت نفسه، تصاب الأسعار بالجنون. أو تنطفئ الأضواء.

وللأسف، في رد فعلها على حادث فوكوشيما النووي في اليابان، قررت ألمانيا في 2011 الإنهاء التدريجي لطاقتها النووية بحلول 2022. وفي عام 2000، ولّدت محطات للطاقة النووية 29.5% من خليط الطاقة في ألمانيا. وكل ذلك ينبغي أن يُستبدل بطاقة الرياح والشمس والماء والغاز الطبيعي، والحال أنه لا يوجد ما يكفي منها الآن. وكما يشير بيل جيتس في كتابه الذكي «كيف تتفادى كارثة مناخية»، فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق أهداف المناخ تكمن في تحويل إنتاج كل الصناعات الكبيرة والثقيلة مثل الفولاذ والإسمنت والسيارات، إضافة إلى الطريقة التي ندفئ بها بيوتنا ونشغّل بها سياراتنا، إلى الكهرباء التي تولّدها الطاقة النظيفة. والطاقة النووية الآمنة الرخيصة ينبغي أن تكون جزءاً من هذا الخليط، حيث يؤكد جيتس أنها، «مصدر الطاقة الوحيد الخالي من الكربون، والقابل للتعديل من حيث حجم الإنتاج، والمتاح على مدار اليوم».

كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»