المجتمع الأصلي الذي يعيش على الأرض التي تتكون منها دولة الإمارات العربية المتحدة بشكلها الحالي، هو مجتمع متحد فيما بينه منذ الأزل حول معتقدات ومبادئ من نوعين: دينية إسلامية منذ ظهور الإسلام الحنيف في سنواته الأولى، وهو دين سماوي منزل يؤكد وحدانية الخالق والبنية الروحانية للكون وموقع الإنسان فيه، ومبادئ أخلاقية حول الصواب والخطأ في السلوك الإنساني.
وهذه المعتقدات والمبادئ بدورها، هي التي نتج عنها ويسير عليها نظام الحكم القائم في البلاد منذ ما قبل قيام الدولة الاتحادية، ثم بعد قيامها، وهي له بمثابة المنهاج القويم الذي لا حياد عنه.
ومن هذا المنطلق، وبعد مرور خمسين عاماً كاملة من عمر الاتحاد، وولوجه في خمسينيته الثانية، واستكمالاً للمسيرة الاتحادية المباركة تم وضع مجموعة من المبادئ القيمية الراسخة لكي تكون هادياً ونبراساً لها على مدى الخمسين عاماً القادمة، هذه المبادئ الإرشادية الهادية هي عشرة في مجموعها وعلى النحو الذي سنورده سرداً أدناه.
وعملية السرد هذه تهدف إلى إيصال هذه المبادئ العشرة إلى القارئ في كل مكان لأهميتها ولكونها ستشكل خطة عمل وخريطة طريق لدولة الإمارات ومجتمعها على مدى الخمسين عاماً القادمة، فما هي المبادئ العشرة هذه التي سميت بمبادئ الخمسين؟
وفقاً للوثيقة الرسمية التي نشرتها الحكومة الاتحادية تحت مسمى مبادئ الخمسين هي مبادئ عشرة أولها يقول بأن الأولوية الرئيسة هي تقوية الدولة الاتحادية من حيث المؤسسات والتشريعات والصلاحيات والميزانية وتطوير مناطق الدولة عمرانياً وتنموياً واقتصادياً دون استثناء، وهذا هو الطريق الصحيح لترسيخ الدولة الاتحادية.
ويشير المبدأ الثاني إلى التركيز على بناء الاقتصاد الوطني لكي يصبح الأفضل والأنشط في العالم، واعتبار التنمية الاقتصادية مصلحة وطنية هي الأعلى، وإلى أن مؤسسات الدولة كافة بجميع تخصصاتها ومستوياتها الاتحادية والمحلية مسؤولة عن توفير بيئة اقتصادية عالمية هي الأرقى والأفضل مهمتها المحافظة على المكتسبات الوطنية التي تم تحقيقها حتى الآن.
أما المبدأ الثالث، فيتعامل مع السياسة الخارجية التي هي أداة ووسيلة لخدمة الأهداف الوطنية العليا على صعد الاقتصاد أولاً، بفلسفة وطنية خاصة محورها أن الأمران مكملان لبعضهما بعضاً: فالسياسة هدفها الاقتصاد هو توفير الحياة الكريمة لشعب الاتحاد.
أما المبدأ الرابع، فيركز على دور العنصر البشري في التنمية، مشيراً إلى أن المحرك المستقبلي للنمو هو رأس المال البشري، وإلى أن تطوير التعليم واستقطاب المواهب والمحافظة على أصحاب التخصصات والبناء المستمر للمهارات هي عناصر مهمة ضمن الرهان للمحافظة على تفوق دولة الإمارات.
ويتطرق المبدأ الخامس إلى البيئة الإقليمية للدولة، مركزاً على أن حسن الجوار، هو أساس للاستقرار، وإلى أن المحيط الجغرافي والشعوب المجاورة وثقافاتها المتنوعة، هي البيئة الإقليمية التي تعيش الدولة ضمنها، لذلك، فإن هذه البيئة الإقليمية بمكوناتها كافة تعتبر خط الدفاع الأول عن أمن وسلامة ومستقبل الوطن والتنمية القائمة فيه.
ويترتب على ذلك أن تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية إيجابية مع هذه البيئة الإقليمية المحيطة تعتبر أولويات راسخة للسياسة الخارجية.
ويتناول المبدأ السادس ترسيخ السمعة العالمية للبلاد، ويؤكد أنها مهمة وطنية جماعية، مشيراً إلى أن دولة الإمارات وحدة واحدة بمكوناتها الاقتصادية والسياسية والصناعية والاستثمارية والثقافية.
لذلك، فإن كافة المؤسسات الوطنية مطالبة بتوحيد الجهود والاستفادة المشتركة من الإمكانيات والعمل على بناء مؤسسات عابرة للقارات تحت مظلة الدولة الاتحادية.
ويتطرق المبدأ السابع إلى التفوق الرقمي والعلمي والتقني للبلاد، وهو مسؤول عن رسم حدودها التنموية والاقتصادية وترسيخها كموطن للمواهب والمؤسسات والاستثمارات العالمية على هذه الصعد ما يمكنها مستقبلاً من أن تصبح عاصمة عالمية مستقبلية.
ويتعامل المبدأ الثامن مع منظومة القيم في البلاد، مؤكداً أنها ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح وحفظ الحقوق وترسيخ دولة العدالة وحفظ الكرامة البشرية واحترام الثقافات وترسيخ الأخوة الإنسانية واحترام الهوية الوطنية.
أما المبدأ التاسع، فهو خاص بالمساعدات الإنسانية الخارجية، مؤكداً بأنها جزء أصيل من مسيرة البلاد والتزاماتها الأخلاقية مع عدم ارتباطها بدين أو عرق أو لون أو ثقافة.
أما المبدأ العاشر والأخير، فيتورث عن الدعوة إلى السلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل الخلافات بين الدول، مع التأكيد على أنه الأساس في السياسة الخارجية للإمارات، وهو المحرك الأساس لها. مبادئ الخمسين العشرة، هذه تحتاج منا إلى شرح كل واحدة منها على حدة، وتحليله تحليلاً وافياً يوضح الفكرة ويبلورها.

كاتب إماراتي