برعاية كريمة من سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، أطلق مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية مشروع «مفكرو الإمارات». وتشير الأدبيات التي خرجت عن المركز بأنه مشروع وطني يهدف إلى إبراز الناتج الفكري لمواطني دولة الإمارات في مختلف المجالات الاستراتيجية العلمية والثقافية من خلال منصة وطنية تدعم وتبرز إنجازات وطموحات النخبة الفكرية المواطنة من المفكرين والباحثين والجيل الصاعد.

وقد تم إطلاق المشروع في حفل يليق به وبأهدافه السامية يوم الثلاثاء الموافق 4 يناير 2022 في مركز دبي للمعارض في «إكسبو 2020».
ودون شك أن مثل هذه المشاريع الرائدة ذات الأهداف الخيرة تجسد ما وصلت إليه دولة الإمارات من رقي وتقدم وما وصل إليه أبناؤها من نتاج خصب في المجالات العلمية والثقافية التي تخدم الوطن والبشرية جمعاء، مثلما هو تجسيد للدور البناء الذي يقوم به مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في خدمة الوطن والمواطنين، خاصة أصحاب الفكر النير منهم في مجالات العلم والثقافة.
والحقيقة أن إطلاق مشروع منصة «مفكرو الإمارات» بهذا المستوى الرفيع يجسد عهداً جديداً من الاهتمام بهذه الشريحة من أبناء الوطن وتدق ناقوساً ذا رنين عذب وأصوات ذات سمات بارزة ونحن في بداية الخمسين الثانية من عمر الاتحاد المديد تدفعنا إلى شكر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية والقائمين عليه على الجهود الجزيلة التي قاموا بها لإطلاق المشروع.
ويبقى أنه كلما تعمقنا في التمعن في النظر إلى أهداف هذه المنصة كلما أيقنا بأنها تأتي في وقت يتحتّم علينا فيه مواجهة العديد من التغيرات التي تلم بالعالم، وفي وقت تزداد فيه الفرص لتحقيق المزيد في خدمة هذا الوطن بكافة مكوناته.
ما نجده في هذه المشروع هو إعادة تأكيد بأن أصحاب الفكر بما لديهم من رؤى يلقون الاهتمام والرعاية والدعم من وطن أحبوه فأحبهم.
وبأن هذا التقدير وهذه الرعاية تأتيهم وترفد إليهم عبر طريق جديدة وبوسائل جديدة على متن قطار سريع مليء بأنواع من الرغبة في التعاون للاستفادة من كافة العقول النيرة المتواجدة لديهم.
ومن وجهة نظر ذات أبعاد أكثر عمقاً أجد نفسي مجبراً على القول بأن منصة «مفكرو الإمارات» يمكن لها أن تكون ذات مهام كبرى بقدر كبر وأهمية عقول المنتمين إليها والمهتمين بها.
وهنا تبرز أمامنا معادلة ذات شقين: الوطن بكافة مكوناته التي من ضمنها الدولة والمفكرون المواطنون، وعليه، فإن من المهام الأولى للمفكرين هي مساعدة الدولة للإجابة على أسئلة معيارية كبرى من بينها الأسئلة التالية: كيف يمكن للدولة الممازجة بشكل أفضل بين اهتماماتها الداخلية والخارجية؟ هل يتوجب على الدولة إنشاء مؤسسات جديدة أو أن تقوم بإعادة بناء المؤسسات القديمة لكي تعكس حصتنا المتزايدة في الاقتصاد العالمي؟ كيف يمكن للدولة ضمان أو أولويات جديدة من قبيل القضاء على الأوبئة الجديدة وحماية البيئة والاقتصاد الرقمي وغيرها تلقى فعلاً اهتماما ووزنا أكبر في عملية اتخاذ القرار؟ هل المناخ الأمني المتغير حولنا يسمح لنا بالاستخدام الأمثل لمواردنا المتاحة لحماية أنفسنا بشكل مثالي؟ وبشكل خاص، ما هي التغييرات التي يجب الأخذ بها مستقبلاً لحماية سفينة الاتحاد والمحافظة على سيرها لكي تصل إلى بر الأمان؟ وهناك العديد من الأسئلة المشابهة التي لا يسعنا ذكرها جميعاً.
إن هذه الأسئلة تجعل من منصة «مفكرو الإمارات» جسراً مهماً في العلاقة بين الدولة والمجتمع يساعد على صلابة رسم السياسات، ففي عصرنا الحاضر تواجه الدولة في كافة أرجاء المعمورة تحديات سياسية وقانونية ودستورية فيما يتعلق ببعض إجراءاتها في رسم السياسة العامة، ودولة الإمارات ليست بمعزل عن هذا العالم، بل هي تقع في القلب منه في عصرها الذهبي هذا.
وفي الوقت نفسه، فإن الكثير من الانتقادات توجه إلى المفكرين والمثقفين بسبب سلبية البعض منهم في خدمة الدولة والمجتمع أو بسبب عدم قيامهم بالاضطلاع بواجباتهم. لذلك، فإن من المهم أن يقوم المشروع بفحص كيف يمكن للجانبين القيام بشكل أفضل بخلق نمط من العلاقة الحميدة الدائمة والمستمرة خدمة لهذا الوطن وأهدافه وتطلعاته العليا.
نخلص من ذلك إلى أن إطلاق مشروع «مفكرو الإمارات»، بشرة خير لهذا الوطن وأبنائه. فالقضايا التي يمكن معالجتها من خلاله كثيرة وأساسية إلى درجة أنها تحتاج إلى شيء بارز ذي مستوى رفيع للاضطلاع بها ومعالجتها، وهذا المشروع بمنصته الجديدة، خير من يتولى هذه المهمة، فهذا الوطن ذو فضل علينا جميعاً ويستحق منا أن نرد له بعض الدين.
كاتب إماراتي