من المؤسف أن تصل الأمور في الأزمة الأوكرانية إلى الحديث عن القدرات والمنشآت النووية. لقد عاش العالم في الأيام الماضية على وقع أخبار مفادها أن محطة الطاقة النووية زابوريجيا، وهي الأكبر في أوروبا، تعرضت لقصف مدفعي، مما هدد بوقوع كارثة نووية، حيث حذر مسؤولون أوكرانيون من خطورة استهداف هذه المنشأة التي تضم ستة مفاعلات، وذكَّروا بحادثة محطة تشرنوبيل حين انفجر مفاعل نووي عام 1986 في أكبر كارثة نووية.

ولعل الأوكرانيين بالغوا في تقدير الأضرار ومقدار التهديد، حيث أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه ليس هناك أي تسرب إشعاعي، ومع ذلك فقد دق هذا الحدث جرس الإنذار من أن الخطر قائمٌ وأن أي تهور قد يفتح الباب لكوارث غير مسبوقة.

ويكفي أن نعلم أنه في دولة مثل أوكرانيا هناك أربع محطات نووية فيها 15 مفاعلاً تستخدم معظمها في مجال توليد الطاقة الكهربائية، وتقول روسيا إنها تريد السيطرة على تلك المفاعلات لتأمينها وحمايتها من أي تهديد، فيما تشير مصادر أوكرانية إلى أن روسيا تريد خنق أوكرانيا من خلال السيطرة على جميع مصادر الطاقة، خاصة أن مناجم الفحم موجودة تحت سيطرة الانفصاليين في إقليم دونباس. وبغض النظر عن مدى صحة هذه الادعاءات، فإنه يجب تحييد هذه المفاعلات من الصراع.

وفي هذا التوقيت يجب أن تتحلى الدول النووية بضبط النفس وبروح المسؤولية، فالطاقة النووية مهمة لكنها يجب ألا تكون ضمن اللعبة والصراع. فما يحدث الآن من استخدام للورقة النووية هو أمر مخيف للغاية، فقد وضعت روسيا قوات الردع النووي في حالة تأهب ورد الاتحاد الأوروبي بذات الخطوة وحالة التأهب القصوى لمنظومته النووية الرادعة، فيما حاولت واشنطن أن تهدئ الموقف قائلةً إنها ستفتح قناة اتصال مع الجيش الروسي بهدف عدم وقوع أي اشتباك عن طريق الخطأ، وهذا مهم للغاية، لأن أي سوء تقدير أو تصعيد قد ينتج عنه دمار خطير.

فتخيل فقط أن إشارات خاطئة قد تقود للتهور واستخدام سلاح نووي مما يفتح الباب لحرب ستطال رحاها البشرية كاملةً. فخطر هذه الأسلحة لا يمكن تصوره، إذ قد يفني البشرية عن بكرة أبيها. لكن على صعيد آخر فمنطق الأحداث الجارية يؤكد أنه من المستبعد تماماً اللجوء للسلاح النووي، وحتى «الناتو» كان واضحاً وقال إنه لن يحرك أي قوات للدفاع عن بلد ليس عضواً فيه، وهنا يقصد أوكرانيا.

الأزمة الأوكرانية ستكون صفحة جديدة في تاريخ العالم وسيتغيّر ميزان القوى فيه، وعامها سيكون صعباً على البشرية التي لم تتعاف بعد من وباء كورونا ومن الأزمة الاقتصادية التي رافقته، والتي هددت اقتصادات كبريات الدول التي كانت تنتظر بفارغ الصبر الخروجَ من الأزمة وعودةَ انتعاش الأسواق، لتأتي أزمة أوكرانيا فتؤثر على الأسواق العالمية ويطال تأثيرُها هذه المرة الدولَ الكبرى والصغرى جميعاً بلا استثناء. فدولة مثل روسيا هي جزء مهم من الاقتصاد العالمي وتحييدها يعني نقصاً حتمياً في كثير من الموارد، وخاصة الغاز الروسي الذي يغذي أوروبا.

إنه سيكون عاماً صعباً على العالم بأسره، حيث سيشهد ارتفاعاً في الأسعار وسيتحمل الفقراء جزءاً كبيراً من تبعات هذه الأزمة، لكننا نتمنى ألا تطول وأن تنتهي عبر التفاوض في أقرب وقت، وألا تتحول لأزمة طويلة معلقة دون حل. ومرة أخرى يجب على الدول الكبرى الجلوس والتفاوض، فأساس الأزمة قبل كل شيء كان وما يزال صراع المصالح والقوة.