للوهلة الأولى عندما تلقيت النبأ كان صادماً وقوياً مؤثراً أصابني بغبن مفاجئ وغصة في الفؤاد وجفاف في الحلق وبرودة في الأطراف، تراجعت بعدها إلى الوراء في الكرسي الذي أجلس عليه لكي أسترد أنفاسي وأتمالك نفسي من هول الصدمة التي تلقيتها.

ترقرقت الدموع في عيناي وسالت من محاجرها عميقة ساخنة تحرق جوانب خداي لكي تعبر عمّا أصابني من حزين عميق وأسى رددت بعدها بصوت خافت مع نفسي إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمك الله يا صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وأسكنك الدرجات العليا من الفردوس، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

ولفيض حزني على رحيل المغفور له الشيخ خليفة بن زايد لن أستطيع وأنا في هذه الحالة أن أسرد جميع مناقبه، فهي لا تعد ولا تحصى، ويكفي أن أقول اليوم بأن رحيلك عنا وعن هذه الدنيا الفانية محزن جداً جداً، لكن ما باليد حيلة، فهذه مشيئة الخالق عز وجل، فلله ما أعطى ولله ما أخذ، ونحن أمام قدرته جل وعلى عاجزون أيما عجز. الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، كان شخصية محبوبة جداً ورجل دولة من الطراز الفريد وعملاقاً من عمالقة الرعيل الاتحادي الأول الذين وقفوا في ظهر مؤسس هذه الدولة الاتحادية العتيدة وقدموا له كل ما يستطيعون من جهد وبذل وعطاء المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته.

لقد رحل عنا الشيخ خليفة ليلتحق بقافلة الآباء المؤسسين الذين سبقوه إلى جنات الخلد بعد أن ثبتوا على المبادئ الراسخة التي أرساها لهم مؤسسها الوالد المؤسس، وبقوا ثابتين على عهودها وعلى مواثيقها باذلين في سبيل المحافظة عليها كل غال ونفيس. طوال سنين عمره في هذه الدنيا الفانية التي قضاها بيننا كان الشيخ خليفة، طيب الله ثراه، يعمل من أجل مواطن هذه الأرض وبقية البشر الذين يعيشون عليها، وعلى رفع مستوى معيشتهم وسعادتهم وأمنهم وطمأنينتهم، ففي فكره وتفكيره المجتمع الآمن المستقر هو غايته، ورفاهية الإنسان هي هدفه، بل أهم أهدافه لأن الإنسان الذي يعيش في بحبوحة من العيش ويشعر بالأمان والاستقرار هو الذي يصبح قادراً على العمل والبناء والإنتاج الخصب.

والكثيرون من المواطنين الذين خبروه يثنون على ما كان يردده دائماً بأن واجبه الأول هو توفير جميع مقومات العيش الرغد والحياة الكريمة لكل مواطن ومقيم في هذا الوطن، وبأن العقيدة الصادقة والإيمان بالله عز وجل والعمل الصالح الصادق لوجهه الكريم هي مسببات النجاح في هذه الدنيا. وانطلاقاً من تلك المبادئ الراسخة والغايات النبيلة عمل، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته طوال حياته على توفير الحياة الأفضل لجميع مواطني دولة الإمارات دون تمييز أو تفرقة واحتضنهم جميعاً كأبناء وكأخوة له مع توطيد دعائم ومرتكزات الدولة الاتحادية الناهضة، وتحقيق كل تقدم وازدهار ممكن لها ولشعبها المخلص الأبي. لكل ذلك وجد شعب الإمارات وجميع المقيمين في الدولة في المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته والداً عطوفاً كريماً وأخاً طيباً عزيزاً ومثالاً لمحبته لهم ومحبتهم له وفي إيمانه وحماسته المتوقدة في خدمتهم وفي نشر المبادئ الاتحادية السامية التي كان يستقيها من إرث والده ومعلمه الأول الشيخ زايد الأب والمؤسس لهذا الوطن المعطاء. إن كل ما كان يقوم به المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، طيب الله ثراه، من أعمال ونشاطات كان جليلاً وطيباً وصادقاً هدفه خدمة الوطن والمواطن وابتغاء مرضاة الله عز وجل. ولا أضيف جديداً إذا ذكرت بأنه كان متواضعاً في تعامله مع البشر إلى الحد الذي لا تواضع بعده من قامة كبرى بكبر خليفة بن زايد. لقد غاب الشيخ خليفة بن زايد عن دنيانا، لكن أريج محبته باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالشمعة الوطنية المضيئة التي حملها طوال حياته لن ينطفئ نورها إلى الأبد، ولندعو معاً اللهم ارحم شيخنا الراحل خليفة بن زايد آل نهيان وأسكنه فسيح جناتك وفي الفردوس الأعلى منها، اللهم أنر عليه قبره واجعله وسيعاً وسع السموات والأرض، واغسل جسده الطاهر بالماء البارد والثلج والبرد، واجعله إلى جوارك مع الأنبياء والشهداء والصديقين، اللهم آمين يا أرحم الراحمين فأنت على كل شيء قدير.

* كاتب إماراتي