بإعلان الشراكة الصناعية التكاملية بين الإمارات ومصر والأردن تتمكن المنطقة تدريجياً من الخروج من الأنفاق إلى الآفاق. الاضطرابات الشديدة التي واجهتها الدول منذ عام 2010 بسبب مشاريع الخراب والدمار كلّفت الجميع أثماناً باهضة. بناء الشراكات وترتيب التحالفات بين دول الاعتدال هو المسار الصحيح من أجل تحقيق هدفين، أولهما: زيادة مستوى التنمية ورفع قوة الاقتصاد للدول المشاركة، وذلك استيفاءً لما وعدت به قيادة الإمارات ممثلةً بوعود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أن تكون الإمارات قوة اقتصادية دافعة لبقية الدول العربية للاستفادة من الاستثمارات ودعم الاقتصاديات. الثاني: أن تعي بقية الدول العربية التي تعاني من الفشل والاضطراب السياسي والحروب الأهلية للدور الذي تقوم به دول الخليج، دور محوري وحيوي، قوامه أسس ثلاثة: تحقيق قيم السلام مع الجوار، وترسيخ أسس التسامح، وتمتين آفاق التنمية.
الخطاب العربي الطويل الذي عاشه الناس وتألموا من آثاره منذ الخمسينيات من القرن الماضي وحتى اليوم ضرب كل أحلام الفرد العربي بأن تتحقق له الطبابة والتعليم والدخل الجيد، والكارثة أن كل صناع ذلك الخطاب آلت بهم محاكمة التاريخ إلى الإدانة، استعمال قضية فلسطين، والاستثمار بالشيوعيين، ومن ثم الانتصار للمتطرفين، كلها أثمرت عن الشكل الذي نراه لدى الدول العربية، دخول عبدالناصر للبنان، ومن ثم تشريع دخول الفلسطينيين، أدى إلى كوارث دامية حولت لبنان-على سبيل المثال- إلى بلد منهار على المستويين السياسي والاقتصادي. أما خطاب التطرف والعنف فحول سوريا وليبيا وتونس وغيرها إلى دول تعاني وترزح تحت براثن التطرف. أيديولوجيا عبدالناصر مثلاً كانت تقول ننتهي من قضية فلسطين ثم نبدأ بالتنمية، فهو جعل الحصان خلف المركبة، وهذا دليل فصيح على العنف السياسي.

سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، صرّح عن مشروع الشراكة بأنها: «تجسد حرص الإمارات على تعزيز التكامل الصناعي مع الدول العربية والعالم، وستؤدي إلى تمكين التنمية الصناعية في الدول الثلاث وتنويع الاقتصاد وتوفير فرص واعدة. هذه الشراكة تُجسد رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، لتعزيز التكامل الصناعي مع الدول العربية وبقية بلدان العالم، من أجل تحقيق نقلة نوعية في القطاع الصناعي ليكون رافعة أساسية للاقتصاد، موضحاً سموه أنّ«الصناعة تُعد العمود الفقري للاقتصادات الكبرى، وكلنا ثقة بأن دولة الإمارات، بما لديها من إمكانات وسياسات فاعلة وإرادة للتطوير وتكنولوجيا متقدمة وبنية تحتية لوجستية متطورة، قادرة على بناء قاعدة اقتصادية صلبة بالاستفادة من التكامل الصناعي بين دول المنطقة، وتطوير القطاع الصناعي في الدول المشاركة». 

هذا هو لبّ المشروع وأساسه، أن تلتئم الدول العربية بشراكاتٍ جديدة مع الدول التي لديها رؤى عملاقة في التنمية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، وهاتان الدولتان تقودان المنطقة نحو النجاة من براثن السياسات الخشبية التي تعب منها العرب، ولعل بقية دول المسلمين الأخرى أن تبرم شراكاتٍ مع دول ذات نموّ عالٍ في الاقتصاد والتنمية.
إنه مشروع جبار سيؤتي ثماره وسيعلم حينها العرب أن التنمية هي أساس حيوية الناس وحياتهم، وليست الديموقراطية التي لم تجرّ على المنطقة إلا ثرثرة السياسة الفارغة واللجوء للصناديق غير المجدية، بدلاً من الذهاب نحو الرؤى التي تتجاوز كل أفكار السياسات القديمة.

* كاتب سعودي