تتحرك الإمارات باستمرار لبناء تحالفات وشراكات تعود بالنفع عليها وعلى شركائها. وفي هذا الإطار يمكن أن ندرج مبادرة الشراكة التي عقدتها الإمارات مؤخراً مع كل من مصر والأردن، كونها تصلح لأن تكون نواة مشروع عربي تكاملي.
باعتقادنا، من شأن هذه الاتفاقية أن تؤمن الاحتياجات الضرورية من الغذاء والطاقة وسلاسل الإمداد لكثير من الدول ليس أولها دول الجوار، كما ليس آخرها منطقة الشرق الأوسط والقارتين الأفريقية والأوروبية، لا سيما وأن معظم دول العالم – إن لم تقل كلها - تأثرت بشدة في العقد الأخير، وعلى وجه الخصوص ما حدث في الأشهر القليلة الماضية نتيجة التحولات والمتغيرات التي عصفت بالاقتصاد العالمي منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ووفقاً لما تم إعلانه، فإن الاتفاقية تستهدف تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في خمسة قطاعات اقتصادية وحيوية مهمة تشمل الزراعة والأغذية والأسمدة والأدوية والمنسوجات والمعادن والبتروكيماويات، وقد تم تخصيص صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار لتنفذ المشاريع المتفق عليها والذي ستديره الشركة القابضة للاستثمار. ولا شك أن الترحيب كبير إذا ما رغبت دول شقيقة أخرى بالانضمام لتلك الشراكة.

تلك الشراكة تظهر مدى الإمكانات التي تمتلكها الدول الثلاث، ليس فقط من جهة مواردها اللوجستية، إنما أيضاً من جهة توافر العنصر البشري والخبرات، وكل ذلك يمكن استثماره ليكون جزءاً أساسياً في صناعة قوة اقتصادية قيمتها المضافة تعود بالفائدة على الأمن الاقتصادي الزراعي والصناعي العربي عموماً، وعلى الدول الموقعة على اتفاقية الشراكة خصوصاً.

الإمارات ومصر والأردن فيها من الموارد والمزايا التنافسية ما هو فريد، بدءاً من توافر المواد الأولية والخام، مثل موارد الطاقة في الإمارات، والأراضي الزراعية في مصر، والمعادن في مصر والأردن. كما أن تلك الدول تتمتع بقدرات متميزة في مجال الصناعات الدوائية، والتي يمكن تنميتها وتوسعتها وزيادة طاقتها الإنتاجية، مع قدرات تصنيعية مهمة في مجالات الحديد والألمنيوم والبتروكيماويات وغير ذلك.

حسب الأرقام الرسمية المعلنة، تُشكّل الدول الثلاث 26% من عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ يتجاوز عدد سكانها 122 مليون نسمة (49% منهم من الشباب)، مما يعني أن الأيدي العاملة فتية، إلى جانب وجود سوق كبيرة للصناعات المذكورة. كما تتميز هذه الدول بوجود بنية تحتية لوجستية متطورة تشمل المطارات والموانئ وممرات النقل الإستراتيجية كقناة السويس، بالإضافة إلى توافر حلول التمويل الذكي والشركات الوطنية القادرة على المشاركة في عمليات التصنيع والاستثمار تلك، وهو ما يمكن أن يؤسس لانطلاقة تنموية جديدة في القطاع الصناعي المدعوم بالتكنولوجيا المتقدمة.

من جهة ثانية، تشكل الدول الثلاث مجتمعة نحو 22% من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أي بحوالي 765 مليار دولار حسب إحصائيات البنك الدولي عام 2019. أما الكتلة التجارية العالمية في الدول الثلاث، فهي في المرتبة 14 من حيث قيمة الصادرات، أي بقيمة 419 ملياراً، في حين أن الواردات تصل إلى 380 مليار دولار، وهو ما يحمل فرصاً كبيرة لتصنيع منتجات متكاملة، وهناك ميزة إضافية كبرى تتمثل في عوامل الأمن والاستقرار الذي تتمتع به الدول الثلاث، بالإضافة إلى وجود منظومة تشريعية وقانونية داعمة تحظى بالمصداقية في المجتمع الدولي. فضلاً عن موقع كل من مصر والأردن والإمارات جغرافياً وسياسياً، وهو ما يضيف لاتفاقية الشراكة بعداً إستراتيجياً مهماً، الأمر الذي يجعل تلك الدول – في المقابل - قادرة على بناء شراكات مع الأسواق العالمية، وذلك بالاستفادة من شبكة الإمارات التجارية التي ترتبط مع معظم دول العالم، وتخدم بالتالي أسواقاً يزيد عدد المستهلكين فيها على ملياري نسمة.