تشهد الهند ارتفاعاً في أسعار المواد الأساسية نتيجةَ الارتفاع العالمي في أسعار الوقود والمواد الغذائية بسبب حرب أوكرانيا. ونتيجةً لذلك، حظرت الهند تصديرَ القمح، ثم أعقبت ذلك بفرض قيود على صادرات السكر، مع تكهنات بأن الأرز قد يكون التالي. 
ومع حظر صادرات القمح وتقييد صادرات السكر، أشار رئيس الوزراء ناريندرا مودي بوضوح إلى أن احتياجات الهند الداخلية تحظى بالأولوية وهي مقدَّمة على طموحات البلاد العالمية. وكانت الهند قد تعهدت لبعض بلدان جنوب آسيا، في وقت سابق، بتعويض النقص الذي تسببت فيه الاضطرابات الناجمة عن حرب أوكرانيا. ولهذا، وجدت الهندُ نفسَها في مأزق حائرةً بين ما إن كان ينبغي لها أن تواصل التصدير، طِبقاً لما تعهدت به، أو تحتفظ بمخزونات أكبر منعاً لارتفاع الأسعار في البلاد. ومع ذلك، ارتفعت أسعار القمح داخل الهند بنسبة 11 في المئة بين مارس وأبريل، في وقت يواجه فيه البلد ارتفاعَ التضخم الذي يُعد أكبر تحدٍّ لتعافيه الاقتصادي. 
إنتاج القمح في الهند هذا الموسم انخفض بنسبة 5,7 في المئة إلى 105 ملايين طن من نحو 111,32 مليون طن، بسبب موجة الحر التي تضرب شمال الهند ووسطها، بما في ذلك مناطق مهمة لزراعة القمح، حيث ارتفعت درجات الحرارة إلى ما فوق 45 درجة مئوية الشهر الماضي في المناطق الشمالية من البلاد، في ما وصفه «مركز الأرصاد الجوية الهندي» بأحر شهر أبريل في شمال غرب الهند ووسطها منذ 122 عاماً. 
وفي الوقت نفسه، عرف توافرُ القمح العالمي اضطراباتٍ بسبب حرب أوكرانيا، ما جعل الأنظارَ تتجه إلى الهند من أجل سد النقص. والجدير بالذكر هنا أن حصة روسيا وأوكرانيا معاً من الصادرات العالمية تناهز 30 في المئة. لكن روسيا تعاني الآن من العقوبات، بينما قمح أوكرانيا عالق في موانئها بسبب الحرب المتواصلة. وتشير بعض التقديرات إلى أن أوكرانيا تجد صعوبة في التصدير مع علوق 13,5 مليون طن من القمح. ونتيجة لذلك، امتص المصدّرون كل القمح الموجود في السوق، ما طرح مشكلةَ توافر هذه المادة داخلياً. ودفع الطلبُ الدولي على القمح، إلى جانب الانخفاض الممكن في حجم المحصول بسبب موجة الحرارة، الأسعارَ للارتفاع، مما خلق تخوفات من أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى صعوبة في الاحتفاظ بالمخزونات للأشهر المقبلة. 
تقوم الحكومة الهندية كل عام، من خلال «مؤسسة الغذاء الهندية»، بشراء ملايين الأطنان من حبوب الطعام، من قمح وأرز وبقول، من المزارعين ثم توزعها بأسعار في المتناول عبر نظام التوزيع العمومي على الفقراء. كما تحتفظ الحكومة بمخزونات احتياطية من أجل دعم البلاد في أي حالة أي حالات طوارئ غذائية والمساعدة في استقرار الأسعار. لكن هذه المرة، ونظراً لحصول المزارعين على أسعار أعلى حين يبيعون للخواص، فمن المتوقع أن تسفر عملية الشراء التي تقوم بها الحكومة عن نحو 18 مليون طن، أي ما يعادل نصف القمح الذي اشتُري العام الماضي والذي بلغ 33,795 مليون طن. وعلى الرغم من أن هذه الكمية يجدها البعض كافيةً لتغطية المخططات الحكومية، إلا أنها تثير تخوفات من إمكانية ألا يكون هناك مخزون احتياطي من القمح. كل هذه العوامل حدت بالهند إلى إيقاف تصدير القمح وسط حالة عدم اليقين بشأن الاستهلاك الداخلي. وأمام الانتقادات التي واجهتها بسبب هذا الحظر والدعوات إلى استئناف تصدير القمح، بما في ذلك من مجموعة السبع الكبار، أعلنت الهند أنها ستواصل التصدير إلى البلدان الهشة فقط. وداخلياً، حال حظر التصدير دون حدوث زيادة حادة في أسعار القمح بسبب توافره في السوق المحلي. 
المقاربةُ نفسُها وجّهت قرارَ الهند حول تقييد صادرات السكر اعتباراً من هذا الشهر. فعلى الرغم من أن الهند تُعد أكبر منتج للسكر في العالَم وثاني أكبر مصدّر بعد البرازيل، إلا أن الحكومة أعلنت أن السكر وُضع ضمن فئة المواد المقيّد تصديرها اعتباراً من يونيو الحالي، من أجل الحفاظ على توافره في السوق المحلية وضماناً لاستقرار الأسعار. ولا شك في أن التضخم يقف وراء هذه الخطوة الحمائية.
وتأتي خطوة الحد من تصدير السكر في وقت ارتفع فيه مؤشر الأسعار في أبريل إلى أعلى مستوى له منذ ثماني سنوات. وتحوّل التضخم وارتفاع الأسعار إلى مصدر قلق كبير للهند في وقت يشهد فيه العالَمُ موجةَ ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والسياسات الحمائية، كما تحاول فيه البلدانُ كبحَ أسعار المواد الغذائية. وأظهرت بياناتٌ من «مكتب الإحصائيات الوطني» أن التضخم في أبريل ارتفع إلى المستوى القياسي 7,79 في المئة. ويُعد تضخمُ التجزئة الأعلى منذ 8 سنوات، ما يشكّل مصدر قلق كبير بالنسبة لصناع السياسات. 
الارتفاع في أسعار الغذاء يوجِع الفقراءَ بشكل خاص. إذ يتعين على الناس إعادةَ تكييف ميزانية الأسرة وخفض أبواب فيها مثل التعليم، من أجل إعالة أسرهم. غير أن المشكلة لا تقتصر على ميزانيات الأسر فحسب، بل هي غير قابلة للاستمرار سياسياً كذلك. صحيح أن مودي ما زال الزعيم الأكثر شعبيةً في البلاد، غير أن ارتفاع الأسعار والتضخم يمكن أن يطرحَا له مشكلةً في وقت يبدأ فيه الاستعداد للانتخابات في عدد من الولايات، بما في ذلك ولاية غوجرات التي ينحدر منها، وانتخابات عام 2024 العامة التي سيسعى للحصول فيها على ولاية حكم ثالثة. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي