ليس بلا دلالات أن يكون أول القرارات وأسرعها لدى تسلّم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، مقاليد رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة، في 14 مايو 2022، التوجيه بإعادة هيكلة قطاع التعليم الإماراتي، وتحديث سياساته، فبعد نحو أسبوع من تقلُّد سموه السلطة أُعلِنت هيكلة رئيسة جديدة لمنظومة التعليم في دولة الإمارات، والتوجيه بمراجعة شاملة لنظم القطاع التعليمي وتشريعاته وسياساته، وإنشاء عدد من المؤسسات الداعمة لتطوير القطاع ومستقبل التعليم في الدولة، ذلك أن مهارات المستقبل ستكون مختلفة ومتجددة.

قيمة الأفكار الإبداعية

إنَّ الحُكم على مدى نجاح الرؤية الطموحة التي ترتكز عليها دولة الإمارات واستعدادها للعقود الخمسة المقبلة، سيكون وثيق الصلة بتطوير التعليم، وتنمية المهارات المعرفية للأجيال الصاعدة، وزيادة الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا المتقدمة، وترسيخ التخصصية والنوعية، وتصنيف «الأفكار الإبداعية» ثروةً وطنيةً مستدامةً، لا تقلُّ قيمتها الاستراتيجية ودورها في الخمسين عامًا المقبلة وما بعدها عن قيمة الثروة النفطية للدولة في الخمسين عامًا الماضية.

لقد كان إنشاء منظومة تعليمية نوعية ركنًا أساسيًّا في «مئوية الإمارات 2071»، التي وضعها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، فقد كان سموه واضحًا منذ سنوات في دعوته قيادات دولة الإمارات وشبابها إلى استلهام تجارب تنموية ناجحة، مثل تجربة فنلندا في التعليم، أو تجارب نيوزيلندا وكوريا الجنوبية وسنغافورة في التنمية والبحث العلمي، وتوطين التكنولوجيا ومعانقة المستقبل، ومِثْلُ هذا الاستلهام كان حاضرًا في رؤية سموه لمئوية اتحاد دولة الإمارات.

تخصصات جديدة ومبتكرة

يتطلب تطوير العملية التعليمية إعطاء الأولوية لتأهيل الطلبة لعالمٍ مختلف، وتخصصات جديدة تزداد أهميتها في عالمنا، مثل هندسة الطاقة المتجددة، وصناعة المحتوى، وتأهيل المؤثّرين الرقميّين (Digital Influencers)، ومعالجة البيانات الضخمة (Big Data Processing) ومنهجيات تحليلها، وهندسة الروبوتات والذكاء الاصطناعي، والهندسة الطبية والبيئية، والهندسة الثلاثية الأبعاد، وإدارة الابتكار والمواهب، والعلوم الجينية ومعالجة الأمراض الوراثية، والتوسّع في تخصصات التجارة الإلكترونية والاقتصادات الرقمية وعلوم الفضاء، وتطوير تخصصات الفلسفة وعلم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا والآداب والفنون، وتقدير قيمتها في أَنْسَنَة المدن وإضفاء المعنى، وتعزيز التفكير خارج الصندوق.

مجتمعات متسامحة

في الوقت الذي تتطور فيه دولة الإمارات العربية المتحدة تطورًا استراتيجيًّا لتعزيز مكانتها في النظام العالمي الناشئ، فإنها تدرك أن التعليم من أجل التسامح والتعايش السلمي أمر بالغ الأهمية في ازدهار المجتمعات. وإنّ محورية خطاب الاعتدال والتسامح ومحاربة التشدد والإرهاب واضحة في رؤية دولة الإمارات، وخصوصًا بتأثير من الاستراتيجيات التي بناها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ووجّه بالعمل بها، ومن هنا سيكون تطوير تخصصات مثل علم الأديان أو فلسفة التسامح إضافة نوعية للجامعات الإماراتية.

توطين التكنولوجيا

إن دولة الإمارات راغبة في توطين التكنولوجيا المتقدمة على أراضيها، ولا تكتفي بدور المشتري لها فقط، بل تتجه نحو مستويات من تطوير الصناعة الوطنية، و«تطوير صناعة دفاعية أساسية لتصبح الإمارات أكثر اكتفاءً ذاتيًّا».

نحو حياة أفضل

خُلاصة القول إن تطوير التعليم والاستثمار في البحث العلمي قاطرة دولة الإمارات نحو اقتصاد ديناميكي أقوى، وتوفير أفضلِ حياةٍ لشعب الاتحاد، والقدرة على الإبداع والابتكار في ظل بيئة تنافسية، وتحديات متنوعة، ومتغيرات متسارعة، تتطلب من أبناء الدولة المواكَبةَ وعدمَ الانتظار، والتشمير عن السواعد، وشحذ الهمم والعقول، وتأكيد قول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ذات يومٍ لأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهو يهديه كتابًا، إن «المستحيل وجهة نظر».

 د. ابتسام الكتبي*

*رئيس مركز الإمارات للسياسات.