الله يذكرك بالخير صديقي المناضل «يوست» من بلجيكا. لقد تعرفت عليه بداية قدومي إلى بلجيكا عام 2010، وكان متزوجاً من ساندرين التي التقاها في مصحة الأمراض النفسية حيث كانا يتلقيان العلاج، واتفقا على الزواج بعد الخروج، وقد تم ذلك العرس بحضور الأهل ولفيف من زملائهما بالمصحة.

«يوست»، كان مناضلاً، إذا افترضنا أن المناضل هو من يملك قضية! «يوست» حاول مراراً وتكراراً اقحامي في قضيته كناشط معه، وهي قضية غريبة ومختلفة وصعقتني حينما طرحها عليّ أول مرة في بيته وأمام كمبيوتره الشخصي، والذي يدير منه مدونات ومواقع أنشأها من أجل قضيته الأممية! كان «يوست» باختصار رئيس الحملة الدولية للحفاظ على بعوضة «الكيوليس» المعرضة للانقراض. (بالفعل هذا ما قاله لي شرحاً وبالتفصيل).

وباعتقادي الشخصي، إذا افترضنا أن ساندرين زوجته كانت ناشطة معه، فربما أكون أنا الثالث والأخير من ضمن أعضاء حملة «يوست» الدولية. «يوست» – الله يسلمه- كان يرى أن تلك البعوضة مضطهدة ومظلومة، وكان يكره هذا الانتشار لبعوضة الأنوفليس الشهيرة، والمتفوقة طبقياً حتى في الشهرة على حساب بعوضة «الكيوليس» المغمورة، والتي تعاني انخفاضاً حاداً في أعدادها حسب قوله ودراساته مع أنه تجنب كثيراً الإجابة عن استفساري حول كيفية إحصاء هذه البعوضة ومعرفة انخفاضها الحاد والمؤسف طبعاً!

«يوست» وذات شاي أخضر مجهول المصدر غريب القوام والطعم وغير محسوب النتائج، أقنعني بالتوقيع الإلكتروني على حملته وأمضينا ليلة «كيوليسية» تم فيها شرح كل تاريخ وسيرة حياة البعوضة الفاضلة! كان انضمامي غير الواعي لحملة «يوست» سبباً في قراري الحاسم بقطع علاقة الصداقة معه وفوراً!

وهكذا كان.. بعدها بسنة علمت أن زوجته ساندرين انتحرت لأسباب لا تتعلق بالبعوضة، و«يوست» تعرض لصدمة عصبية واختفى فجأة بلا أثر. يوست الله يسلمه ويذكره بالخير تذكرته اليوم حين استرجعت سؤالاً كنت سألته إياه في غمرة حملتنا البعوضية، ومفاده لماذا لا يتبنى قضية إنسانية أو سياسية، لماذا مثلاً لا يتبنى أي قضية من قضايا النزاعات المتعددة في الشرق الأوسط مثلاً، ما دام حنونا إلى درجة البكاء على البعوض؟

إجابته التي صدمتني بعفويتها جعلتني لا أكرر السؤال، وهي التي جعلتني أتذكره اليوم! يوست، بكل بساطة هو عنوان عيونه الحزينة خلف نظارته المجهرية، قال لي: كنت ناشطاً سياسياً قبل أن أدخل مصحة الأمراض النفسية، كنت ضد أميركا وسياساتها في كل مكان!

لم يكمل لي ما حدث معه، ولم يشرح، لكن فهمناها واضحة من غير التباس. كل ما أعرفه أنه وحسب النظم والتعليمات المتعلقة بمنظمات المجتمع المدني فإن يوست «عجل الله فرجه» وقد سجل حملته رسمياً كمنظمة، وكان رئيسها بالضرورة وكنت والمرحومة ساندرين أعضاء هيئتها العامة فقط، فإنني أجدني وريثاً شرعياً لرئاسة تلك الحملة في الدفاع عن بعوضة مهيضة الجناح، وبما أن «يوست» اختفى وساندرين في دار الحق، فليس للكيوليس من يدافع عنه الآن سواي.

* كاتب أردني مقيم في بلجيكا