يتنافس اسحق نيوتن وألبرت أينشتاين على القمة في علم الفيزياء، ويرى علماء الجمعية الملكية البريطانية أن اسحق نيوتن هو الأفضل. لا تدل بدايات نيوتن على نهاياته، فلقد عانى كثيراً مع والدته.. التي تزوجت بعد طلاقها بشخص لم يحبّه نيوتن، ثم ترملّت من جديد، وأعدّت ابنها ليكون مزارعاً في الريف. كان اسحق نيوتن شخصاً غريب الأطوار، ويرى عالم نفس في كامبريدج أنه كان يعاني من بعض اضطرابات التوحد، وأنه كان غير مكترث بالآخرين، ولم يكنّ شعوراً تجاه أحد. بالإضافة إلى الوضع العائلي، والاضطرابات النفسية، كان نيوتن منشغلاً بالخيمياء، وهي حقبة ما قبل الكيمياء، حيث الارتباط بالسحر والخرافة، وحين السعي لتحويل «الفلزات الوضيعة» إلى «فلزات نبيلة»، كتحويل الرصاص إلى ذهب.

وعلى الرغم من ذلك، فإن اسحق نيوتن أصبح أستاذاً في جامعة كامبريدج، ورئيساً للجمعية الملكية البريطانية المرموقة، وعضواً في البرلمان، ليتحول الطريق من «المزارع اسحق نيوتن» إلى «السير اسحق نيوتن». وليعلّق أينشتاين صورته في مكتبه. قدم السير نيوتن نظرية الجاذبية، والتي أثّرت كثيراً في تاريخ العلم في القرون التالية، وكانت من بين مرتكزات ما جرى تسميتها «الميكانيكا السماوية»؛ أي حركة الأجرام في السماء، وهي «علوم الفضاء» فيما بعد. كما قام نيوتن بتطوير علم التفاضل والتكامل، وقد نشر مخطوطة مهمة عن ذلك في عام 1666. كان نيوتن شخصاً صعب المراس، ولما ذهب من كامبريدج إلى الجمعية الملكية في لندن كان متعالياً، بل إنه سبَّ كبير علمائها.

ومن المدهش أنه حين أصبح رئيس الجمعية الملكية فيما بعد.. قام بمحو صور كبير العلماء الذي سبق أن اصطدم به، وتجاهله في أعماله! كان الأساتذة والطلاب لا يحبون نيوتن، وكان عدد الطلاب في بعض محاضراته يصل إلى مستوى الصفر، حيث القاعة خالية تماماً! في تلك الأثناء كان اسم العالم إدموند هالي الذي يحمل اسمه «مذنب هالي» قد أصبح معروفاً ومهاباً، وذلك بعد رحلة طويلة إلى جنوب المحيط الأطلسي، ورسمه خريطة النجوم في نصف الكرة الجنوبي، فساعد كثيراً في حركة الملاحة، وكان لا يزال في الثانية والعشرين من عمره.

قدّم إدموند هالي خدمة عظمى للبشرية؛ إذْ ذهب إلى نيوتن العنيف وغير الودود، وطلب منه حلاً رياضياً لفهم الكون، والإجابة على سؤال: لماذا يدور القمر حول الأرض، ولماذا لا يفلت في الفضاء؟ ولماذا لا تنطلق الأرض بعيداً عن الشمس؟

ولماذا تسير هذه الأجرام بانتظام في مداراتها؟ جاءت الإجابة عبْر ذلك الكتاب الفذّ «مبادئ الرياضيات» الذي قدم فيه نيوتن نظرية الجاذبية كنظرية كبرى متماسكة، فتحت لاحقاً الطريق إلى غزو الفضاء، وحسب حائز نوبل «ستيفن هوكينج» فإن كتاب نيوتن هذا يمثِّل أعظم تطور في تاريخ العلم. لقد امتلك اسحق نيوتن كل أسباب الفشل: النفس المضطربة والعائلة الفاشلة واللا مستقبل، ولكنه استطاع تحقيق المعجزة. بدأ نيوتن من الصفر، ووصل عدد طلابه أحياناً إلى الصفر، ولكنه غادر بعد أنْ نقل العالم من الماضي إلى المستقبل، ومن الأرض إلى الفضاء.