تجري تحولات إقليمية ودولية في صيرورة متدفقة، يتم فيها تحريك الزوايا من كل الأطراف الإقليمية والدولية، وفقاً للمصالح الوطنية لكل دولة، لكي يصبح المشهد مغايراً لما قبل حرب أوكرانيا الحالية وزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة للمنطقة. وضمن هذا السياق، كان لقاء قمة الرئيس بايدن مع قادة دول مجلس التعاون، بالإضافة إلى كل من مصر والعراق والأردن، وكذلك لقاء القمة السعودية الأميركية ولقاء القمة الإماراتية الأميركية.

وفي هذه الأثناء كانت إيران تراقب عن كثب معظم التفاعلات الجيوسياسية في منطقة الخليج العربي، وبالتحديد مآلات لقاء الرئيس بايدن مع سمو الأمير محمد بن سلمان، وما نمى لإيران عما دار من مباحثات لم تكن نتائجها موضع رضى واشنطن!

وهي نقطة قد تعتبرها طهران إيجابية لصالحها، ويفترض بالتالي أن تشجعها على الاقتراب والتفاهم مع المملكة العربية السعودية وتلبية مطالبها التي تخدم منطقةَ الخليج، وبذلك تتم تصفية العوالق التي تعيق العمل الخليجي الجماعي، بحضور خليجي إيراني قائم على التفاهم الجماعي وتحقيق المنفعة للجميع. من هنا يمكن أن يكون استخلاص نظرة إيرانية مشجعة في الحوار السعودي الإيراني، ليكون أكثر جدية وإسهاماً في تحقيق التوافق، خاصة أن الذي دعا المملكة العربية السعودية إلى دعوة إيران هو الرغبة في أن يكون الحوار بينهما «علنياً»، وهذا أسلوب سياسي له دلالته الذكية من جانب السعودية.

أما بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فتأمل أن يفضي الحوار السعودي الإيراني إلى نتائج إيجابية تخدم مصالحَ منطقة الخليج، وتساعد على توطيد الاستقرار الإقليمي الذي يمثل هدفاً استراتيجياً في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والتي لا تنظر إلى أمن الخليج بمعزل عن دوائر انتمائها الأخرى، عربيةً كانت أم شرقَ أوسطية.

وبالحوار والتفاهم بين كل من السعودية وإيران سيكون بالإمكان إزالة العقبات التي تطالب السعودية بتنحيتها من طريق الوفاق الإقليمي، توطئةً لحل يحقق المصالحة الإقليمية المطلوبة، ومن أجل خلق بيئة مسالمة في منطقة الخليج تنمو فيها آمال شعوب المنطقة وتطلعاتها، ويعيش الجميع فيها بحرية وسلام وأمان.

ومما يساعد على تحقيق ذلك أن تتوافق الأطراف على حل قضاياها الخاصة دون تدخلات خارجية. وإذا تحلت طهرانُ بالنية الصادقة، وأعلنت مواقفها الحقيقيةَ دون مواربة، فسيكون بإمكانها عندئذ أن ترد بإيجابية على مطالب السعودية، وحينها ستنفتح الأبواب الموصدة، وتزول الأسباب الداعية إلى وجود القوى الدولية في المنطقة.

وعلى ضوء مخرجات زيارة الرئيس الأميركي بايدن للسعودية، يبدو أنه قد تأكد لدى طهران أنه لا وجود لمشروع أميركي خليجي يضر بإيران، وحتى ما تردد حول وجود «ناتو عربي» تم نفيه رسمياً وبالكامل، ولم يحدث أبداً أن تبنت دول مجلس التعاون مشروعاً كهذا.

ولعل هذه رسالة تطمين كافية يتأكد من خلالها لطهران مجدداً أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تنوي إلا الخيرَ لجارتها إيران. على إيران أن تبادر بجدية لتحقيق نتائج عملية في حوارها مع السعودية، وذلك بإزالة العوائق القائمة التي وضعتها طهران نفسها، وذلك في أربع عواصم عربية تتخذها وسيلة تكتيكية لتعزيز أوراقها التفاوضية مع أميركا، على حساب الدول العربية.

*سفير سابق