كان حوار بيترسبرغ في ألمانيا الأسبوع الماضي إحدى خطوات التحضير للدورة الـ17 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ Cop27، التي ستُعقد في شرم الشيخ في نوفمبر المقبل. ويتطلب نجاح هذه الدورة تحضيراً غير عادي، لأنها ستُعقد في ظل ارتباك خطط مواجهة تغير المناخ، جرّاء آثار الحرب في أوكرانيا.

وقد اجتمع المشاركون في حوار بيترسبرغ وسط إشارات إنذارٍ جديدة تُضاف إلى عشراتٍ قبلها، مثل المدى الهائل الذي بلغه ارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات في بلدان قريبة من مكان اجتماعهم، واضطراب أحوال الطقس في كثير من أنحاء العالَم. كل هذا والصيفُ ما زال في أوله.

وبغض النظر عن الاختلاف على تقدير مدى أثر الحرب في أوكرانيا على هذا الصعيد، فما يتعين الانتباه إليه هو أن تناقصَ إمدادات النفط والغاز الروسيين إلى أوروبا أظهرَ خللاً في خريطة الطريق المعتمدة لمواجهة التغير المناخي. ويتمثل الخلل في عدم واقعية الاندفاع باتجاه أنواع جديدة من الطاقة يحتاج التوسعُ فيها إلى وقتٍ طويل، على حساب الاستثمار في متطلبات إنتاج النفط والغاز لتجنب أزمات تُضعِف معدلاتِ النمو في الاقتصاد العالمي.

ويعود غياب الواقعية إلى عوامل أهمها قوة تأثير الدعوة إلى تقليص الاستثمارات في الطاقة الأحفورية، بدعوى أنها السبب الأساسي في تغير المناخ، بدون مراعاة ازدياد الطلب العالمي الفعلي على النفط والغاز، مما أدى إلى ارتفاعٍ في أسعارهما بدأ قبل الحرب، وازداد بعد نشوبها.

ليست الحربُ وحدَها، إذن، سبب الارتفاع في هذه الأسعار، بل عدم الانتباه إلى أخطارٍ لا بد أن تترتب على عدم واقعية الاندفاع نحو طاقةٍ جديدة يتطلب التوسع فيها إنفاقَ مواردَ ضخمة، ويحتاج بالتالي إلى وقت طويل. ولهذا صارت مراجعة خريطة الطريق غير الواقعية ضرورية خلال الإعداد لدورة شرم الشيخ، سعياً لإقرار برنامج زمني جديد يتضمن أهدافاً أربعة: الأول؛ التأقلم مع التغير الحاصل في المناخ، مع السعي بطرقٍ واقعية للمحافظة على درجة حرارة الأرض.

والثاني؛ الحد من الأضرار البيئية المترتبة على اضطرار عدد متزايد من الدول الأوروبية إلى الاعتماد مجدداً على الطاقة المولَّدة من الفحم لتعويض النقص في إمدادات النفط والغاز الروسيين إليها.

والثالث؛ إيجاد السبل اللازمة للإسراع في معالجة تراجع معدلات النمو في الاقتصاد العالمي الذي يعاني أزمةَ تضخم ممتدة مصحوبة بركود، مما يؤثر سلبياً على توفير الموارد اللازمة للمضي في طريق التوازن بين الاستثمار في مختلف مصادر الطاقة الجديد منها والقديم في آن معاً.

والرابع؛ السعي لتلافي انعكاس الخلافات السياسية التي ازدادت حدتُها على الجهود المبذولة لمواجهة تغير المناخ.وتبقى كلمة السر في قضية المناخ هي التحلي بالواقعية والاعتدال، والابتعاد عن الشعارات البرّاقة التي تدغدغ المشاعرَ، لكنّها لا تحل المشاكلَ.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.