ظل النظام الديمقراطي أحد مصادر قوة الولايات المتحدة منذ تأسيسها، باستثناء حالاتٍ قليلة كان فيها مُعَّوقًا لحل مشاكل وأزمات واجهتها. غير أن إصرار رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي على زيارة تايوان، ضمن جولتها الآسيوية الأسبوع الماضي، تدل على أن هذا النظام صار مصدر ضعفٍ لا يُستهان بخطره على مستقبل أميركا ودورها الدولي، بعد أن أظهرت الانتخابات الرئاسية عام 2020 أنه لم يعد قادرًا على حل الخلافات الداخلية عبر التنافس السلمي.
فشلت آليات النظام الديمقراطي في تحقيق تفاهمٍ بين بيلوسي ومعها أعضاءُ في مجلسي الكونجرس أيدوا زيارة تايوان، والبيت الأبيض ومعه المؤسسات المختصة بالسياسة الخارجية والأمن القومي، بشأن مسألة بالغة الحساسية. لم تتمكن السلطة التنفيذية من إقناع بيلوسي بالتخلي عن زيارة تايوان، من أجل تجنب أزمة تُهدَّد بمواجهة مفتوحة مع الصين، في الوقت الذي بلغ الصراع ضد روسيا ذروة غير مسبوقة.
ويعني هذا أن الديمقراطية الأميركية لم تساعد على، بل على العكس حالت دون، استيعاب درس أزمة أوكرانيا. فقد أدى تفاقم الاختلالات في النظام السياسي الأميركي إلى دفع الولايات المتحدة باتجاه موقف صعب يفرض تقديم دعم إضافي لتايوان لتخفيف أضرار العقوبات الصينية عليها ورفع مستوى جاهزيتها العسكرية تحسبًا لأي احتمال، في الوقت الذي ينوء الاقتصاد الأميركي بأعباء مساندة أوكرانيا.
وعندما تتخطى السلطة التشريعية حدود صلاحياتها، وتعجز آليات النظام عن التصحيح الذاتي، تكون أزمة الديمقراطية الأميركية قد بلغت مستوى غير مسبوق. فقد بدا واضحاً أن رأس السلطة التنفيذية في واشنطن لم يرحب بزيارة بيلوسي، وكذلك الحال بالنسبة إلى وزير الدفاع. وقد صرحا بما يدل على ذلك، وإن حاولا تخفيف لهجة اعتراضهما. ولكن أيًا منهما، وغيرهما من أركان السلطة التنفيذية، لم يستطع إقناع بيلوسي بتغيير موقفها، بعد أن فقد نظام الفصل بين السلطات مرونته التي كانت تسمح بحل الخلافات الكبرى بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتحقيق توافقات تضمن صيانة المصالح الأميركية وتعزيزها. 
وحين تمتنع رئيسة مجلس النواب عن احترام القواعد التي تجعل السياسة الخارجية من اختصاص السلطة التنفيذية، فهذا يعني أن المستوى الذي بلغته أزمة الديمقراطية الأميركية يُنذر بصنع أزمات قد لا تقوى الولايات المتحدة على تحمل أعبائها، مهما كانت قدراتها ومواردها. وليست هناك أعباء أكبر مما يترتب على الانخراط في أزمتين كبيرتين فى وقت واحد، وإن اختلف طابع كل منهما، بالنظر إلى أن حكمة الصين قد تعصمها من التصعيد في الوقت الراهن. لكن الإجراءات التي بدأت في اتخاذها، وتلك المتوقعة في الفترة المقبلة، قد لا تقل آثارها كثيرًا عن الحرب في شرق أوروبا.
وحسب المعطيات المتوافرة الآن، يصعب إيجاد حل لأزمة الديمقراطية الأميركية التي قد تتفاقم أكثر في انتخابات 2024. ولهذا صار من الضروري مراجعة اعتقاد رائج في العلم السياسي، وهو أن انتشار الديمقراطية في العالم يساعد في تحقيق السلام. 

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية