بقي من الزمن أقل من أسبوعين. تنتهي في مطلع سبتمبر المقبل الانتخابات الداخلية لحزب المحافظين، التي يشارك فيها أعضاؤه البالغ عددهم نحو 160 ألفًا، لاختيار رئيس جديد للحزب، وبالتالي للحكومة، خلفاً لبوريس جونسون. فرصة وزيرة الخارجية ليز (إليزابيث) تراس تفوق منافسها في التصفية النهائية وزير الخزانة ريشي سوناك، هذا ما تُنبئ به الاستطلاعات الأخيرة، وما يُستفاد من السوابق التي تدل في مجملها على أن معظم أعضاء حزب المحافظين لا يختارون من يتمردون على قيادته. وهذه إحدى سمات الفكر المحافظ التقليدي الذي ينفر المؤمنون به من الفرقة ومُسبَّبيها، ويُثمنون الوحدة ومن يحافظ عليها.
وفيما تمرد سوناك على جونسون وتحداه، ولعب دورًا رئيسيًا في إسقاطه، حافظت تراس على ولائها له ورفعت شعار «وحدة الحزب أولاً». ولهذا تبدو فرصة سوناك أضعف، قياسًا على سوابق مثل فشل وزير الدفاع الأسبق مايكل هيزلتاين في خلافة مارجريت تاتشر عام 1990 لأنه تحداها، إذ فضل أعضاء الحزب عليه جون ميجور الذي بقي مواليًا لها. وكان الإخفاق مصير جون رد-وود أيضًا عام 1997 بعد أن تمرد على ميجور، وسعى إلى إسقاطه.
وبعيداً عن الاستطلاعات والسوابق، تحظى «تراس» بدعم التيارات اليمينية في الحزب، وفي مقدمتها اليمين التاتشري القوي، لأنها واضحة في تبنيها سياسة خفض الضرائب، ودعم السوق الحرة، وتحرير التجارة، في الوقت الذي تبدو مواقف «سوناك» أقرب إلى «يمين الوسط»، وخاصةً ما يتعلق بمسألة الضرائب، إذ يرى أن خفضها في الوضع الاقتصادي الحالي المأزوم يُضعف قدرة الحكومة على مكافحة التضخم، ومواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، وإجراء إصلاحات اقتصادية طويلة المدى. ولا يبدو أن محاولته مغازلة اليمين المحافظ عبر التراجع خطوة، والوعد بإلغاء ضريبة القيمة المُضافة من فواتير الطاقة لمدة عام، يكفي لتحسين مركزه.
غير أنه بخلاف هذه القضايا الداخلية المختلف عليها، لا يُلحظ أي تباينٍ بين مواقف تراس وسوناك تجاه القضايا الخارجية بوجه عام. فإذا أخذنا الحرب في أوكرانيا وآثارها مثالاً، نجد أنهما في الموقع نفسه. كلاهما مؤيدان بقوة لأوكرانيا، ويطالبان بمواصلة دعمها حتى تسترد أراضيها، ويؤيدان استمرار العقوبات المفروضة على روسيا وزيادتها. وكان آخر ما أعلنه سوناك في هذا المجال تعهده في اجتماعٍ حزبيٍ يوم 3 أغسطس الجاري بتشديد العقوبات في حالة انتخابه زعيماً للحزب، وبالتالي رئيسًا جديدًا للوزراء. أما «تراس» فقد أعلنت في اليوم نفسه أنها ستسعى للانتصار على روسيا، وستدرس سبل مصادر أموالها المجمدة وتحويلها لمصلحة أوكرانيا، عندما تتولى رئاسة الحكومة. ولا يوجد أيضاً اختلاف واضح سواء بين توجهات تراس وسوناك، أو بين مواقف كلٍ منهما وسياسات حكومة جونسون، تجاه القضايا الأساسية في منطقة الشرق الأوسط.
والمتوقع، والحال هكذا، ألا يؤدي وصول تراس أو سوناك إلى 10 داوننج ستريت لتغييرٍ في الاتجاهات الأساسية لسياسة حكومة جونسون الخارجية.
* مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية