في الوقت الذي احتفلت «أوركسترا الأمم» قبل أيام بالذكرى العاشرة لتأسيسها، مؤكدةً مواصلة رسالتها من أجل السلام، تواجهُ الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى حل الأزمات الدولية الكبرى عوائق متزايدة. ولهذا دعا الأستاذ عبدالله السيد الهاشمي في مقالته المنشورة في 31 أغسطس الماضي إلى أفكارٍ جديدة للدبلوماسية الدولية، بعد أن صارت الاستراتيجيات الدبلوماسية التقليدية غير مجدية، وذكَّر بدور مدرسة السياسة والدبلوماسية الإماراتية في وضع أفكارٍ عقلانية وواقعية جديدة لضمان عدم وقوع حروب وبناء السلام في الشرق الأوسط.
ويتطلب وضع مثل هذه الأفكار تعاوناً أكاديمياً بين عددٍ من العلماء والخبراء من مختلف الدول الكبرى، ودول أخرى تتميز بدورها البناَّء على المستوى الدبلوماسي. ولإنجاز هذه المهمة الكبرى يفترض أن يتحلوا بالموضوعية، ويضعوا هدف إخراج الدبلوماسية العالمية من مأزقها فوق مصالح الدولة التي ينتمي إليها كلُ منهم.
وفضلاً عن الأفكار الجديدة التي يمكن أن تنتج عن مثل هذا التعاون في حال تحققه، ربما يُفيدُ أيضاً في لفت انتباه كبار الدبلوماسيين في الدول الكبرى، المنخرط معظمها في صراعات متفاوتة الحدة، إلى أهمية العمل المشترك الذي بلغ في العام الجاري أدنى مستوى له منذ ثمانينات القرن الماضي حين بدأت نذر انتهاء الحرب الباردة الدولية تلوح في الأفق.
وعلى سبيل المثال، ففي الوقت الذي أحيت «أوركسترا الأمم» ذكراها في 2 سبتمبر الجاري على مسرح قاعة فيكتوريا في جنيف، فشلت المحادثات التي أُجريت من أجل إقرار معاهدة لحماية المجتمعات والحياة المائية في العالم، برغم تنامي الأخطار التي تُهدَّد عدداً متزايداً من الكائنات البحرية، وقد تؤدي إلى انقراض بعضها قبل اكتشافه. وتُعد هذه آخر انتكاسة حتى الآن للدبلوماسية العالمية، التي تواجه تحدياً تاريخياً جديداً خلال الأسابيع القليلة الباقية قبل حلول موعد مؤتمر المناخ السابع والعشرين للأمم المتحدة (Cop-27) بشرم الشيخ بين 6 و18 نوفمبر المقبل. وما أكثرها هذه التحديات، سواء المُرحَلة من (Cop-26) في جلاسجو العام الماضي، أو الجديدة الناتجة عن تداعيات الصراعات التي انفجرت في العام الجاري، سواء آثار الحرب في أوكرانيا على العوامل المُسبَّبة للاحتباس الحراري، أو مترتبات تصاعد النزاع بين بكين وواشنطن بشأن قضية تايوان. ولعل التحدي الأهم اليوم في هذا المجال هو توقف المحادثات الصينية- الأميركية الهادفة للتوصل إلى تفاهماتٍ بشأن دورهما في الحد من الاحتباس الحراري، لأنهما مسؤولتان معاً عن نحو 40% من انبعاثات الغازات في العالم.
وليس هذا إلا قليلاً من كثيرٍ يؤكد الحاجة المُلحة إلى دور أكثر فاعلية للدبلوماسية العالمية، وإلى أفكار جديدة لاستعادة هذا الدور وتعزيزه. وتجاوز التحديات التي تواجهه. ففي كل تحدي مهما عظُم أمره فرصةُ كامنة تنتظر من يستطيع استثمارها. وعندئذ لا تبقى موسيقى أوركسترا الأمم التي عُزفت قبل أيامٍ معزولةً عن واقع الدبلوماسية العالمية.
* مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية