عاشت دول العالَم منذ أيام دخولا مدرسياً وجامعياً ناجحاً ومطمْئناً، بعد أعوام صعبة من تداعيات «كوفيد-19» الصعبة التي أجبرت الدولَ على إغلاق آلاف المدارس والجامعات، لتتبنى خيارَ التعليم عن بعد، حرصاً على استمرار الدراسة وتقديم مقرراتها كاملةً، ومنعاً لحدوث أي فجوة تعليمية قد تنتج عن تفاقم الجائحة. وبوصنا آباء وأساتذة، فإننا نعلم ما عاناه التلاميذُ والطلبة خلال تلك الفترة، خاصة منهم صغار السن الذين بقوا في المنازل بعيدين عن جو التمدرس والتلقي والاحتكاك المباشر مع المعلمين وزملائهم، مع العلم أن هذا الاحتكاك يمثل مؤشر الاختبار الرئيسي لنمو الطفل وتطور قدراته الفكرية والعلمية. كما عانى طلبتُنا في الجامعات من ويلات التعليم عن بعد، إذ لا يمكن تعويض إيجابيات التلقي المباشر من الأستاذ والمشاركة في فهم المحاضرة داخل القاعات والمدرجات. 
وإلى ذلك فقد عانت العديدُ من دول العالَم نقْص استعداداتها للانتقال نحو استراتيجيات التعلُّم عبر الإنترنت، خاصة وأن تقريراً صدر منذ أيام عن الاتحاد العالمي للاتصالات، وهو وكالة تابعة للأمم المتحدة، يفيد بأن أكثر من ملياري شخص، أي نحو ثلث سكان العالم، ما يزالون غير متصلين بالإنترنت في عام 2022. وحسب التقرير ذاته، فإن إفريقيا أقل القارات اتصالاً بالإنترنت، حيث يحصل 40% فقط من السكان على خدمات الإنترنت مقارنةً بـ80% في الأميركيتين، و89% في أوروبا.
ولكن لحسن الحظ، تفننت كل الدول في الاعتماد على استراتيجيات بنّاءة وهادفة من خلال إتاحة التعليم عن بعد، فاستخدمت جميع الوسائل الممكنة التي توفرها البنية التحتية الاتصالية الحالية في إيصال الخدمة، إذ تم استخدام أدوات التلفزة والمذياع في إتاحة الدروس، ومقاطع الفيديو، والدروس التعليمية، وغيرها من الموارد للطلاب.. واستعانت بالمدونات والتسجيلات الصوتية والموارد الأخرى التي تستهلك قدراً أقل من البيانات، كما عملت مع شركات الاتصالات على تطبيق سياسات تعفي المستخدمين من الرسوم، لتيسير تنزيل مواد التعلُّم على الهواتف الذكية.
لقد خرجنا بسلام من تلك المرحلة، انطلاقاً من مجهودات الجميع، لأنه عندما تكون الجهود مشتركة، وأعني وزارات التعليم، والجامعات والكليات والأساتذة والطلبة والأسر.. فإن النتائج تصبح إيجابية. والمطلوب اليوم هو أن تستمر نفس الإرادة في عالمنا العربي، ليس فقط لتشجيع التعليم عن بعد، وإنما كذلك لتنقيح محتوى التعليم عامة وتطويره والاستثمار الصحيح في المصادر البشرية. فمن مسؤولية الجميع اليوم في العالم العربي، رسميين وغير رسميين، الاستثمار في العقول والإقدام على اتخاذ قرارات شجاعة لتحقيق الملاءمة بين التكوين العلمي والمهني والتقني وبين مستلزمات الاقتصاد العصري واحتياجاته التنموية، والانخراط في اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة والاتصال، وتبني استراتيجية جادة كفيلة بتأهيل البحث العلمي والتقني وتطويره، وجعله في خدمة المجتمع والتنمية الاقتصادية.. وكل هذا متاح وممكن، لكن فقط إذا ما تضافرت الجهود جميعاً وتكاتفت. 

*أكاديمي مغربي