فرانسيس ويلكينسون*
التاريخ تدخّل في «برل هاربر»، وهُزمت «أميركا أولاً»، وكانت هذه طريقة قاسية ومفصلية لتعلُّم ثمن الفشل الديمقراطي --------------------------------------------- ربما يجدر بالرئيس جو بايدن الذي ألقى ما يرجَّح أن يكون خطاباً من دون تأثير كبير مساء الأربعاء الماضي حول الأخطار التي تواجهها الديمقراطية الأميركية، تَذكُّر سيناتور ولاية داكوتا الشمالية جيرالد ناي. ففي 7 ديسمبر 1941، كان ناي في تجمع لحركة «أميركا أولاً» الانعزالية والصديقة للفاشية، والتي كان الطيار تشارلز ليندبرغ أبرز متحدث باسمها. وكانت الحركة، وعلى غرار ليندبرغ، عنصرية ومعادية للسامية بشكل واضح وصريح. غير أنه عندما أخبر مراسلٌ صحفيٌُ نايْ بالهجوم الذي استهدف ميناء «برل هاربر»، لم يلقِ خطاباً عدوانياً وعنصرياً ضد العدو الآسيوي الذي شن «الهجوم المباغت»، لأن عدواً آخر كان يشغل ذهنه أكثر. وقال ناي: «يبدو لي الأمر مريباً جداً». ولاحقاً، بعد أن استجمع أفكارَه، ركز ناي على «الجاني» الحقيقي قائلاً: إن «مناورات» الرئيس فرانكلين روزفيلت أدخلت البلادَ في الحرب. والواقع أن خطاب بايدن حول الديمقراطية مثّل اعترافاً ضمنياً بأن ناي الذي توفي في عام 1971، ما زال حياًّ يرزق ويقوم حالياً بتقديم عريضة إلى مجلس الانتخابات المحلي بشأن مخالفات انتخابية قرأ عنها على شبكة الإنترنت. تتمثل إحدى مزايا منصب بايدن في أن الخط الفاصل بين خطاب حزبي وخطاب رئاسي يمكن أن يكون دقيقاً للغاية. واللافت أن معظم خطاب بايدن كان حزبياً على نحو تكتيكي. فالدقائق الثلاث عشرة الأولى منه شكّلت إلى حد كبير حثاًّ عادياً للأميركيين على التصويت. في حين أن الدقائق الثماني الأخيرة أو نحو ذلك كشفت النقاب عن شغف بايدن الأميركي الطبيعي. فقد كان من الواضح أنه يدافع عن قضية الديمقراطية. الكثير من «الديمقراطيين»، إلى جانب «الجمهوريين» الذين يرفعون شعار «لا لترامب» وأصبحوا جمهوريين مناوئين لـ«ماغا» («اجعلوا أميركا عظيمة من جديد»، أي شعار ترامب)، ينظرون إلى «ماغا» باعتبارها حركة سياسية غير ليبرالية تطرح خطراً كبيراً على الديمقراطية الأميركية. وقد أشار بايدن إلى المثال الأوضح – العدد الكبير من مرشحي «ماغا» لمناصب سياسية رفيعة الذين يرفضون الاعتراف بنتائج الانتخابات التي لا تروقهم، على غرار دونالد ترامب. إنه شيء مخيف. وفي هذا السياق، قال المرشح الجمهوري لمنصب حاكم ولاية ويسكونسن إنه إذا فاز فإن الجمهوريين لن يخسروه أبداً. وقال بايدن في خطابه: «إننا ندرك في قرارة أنفسنا أن الديمقراطية في خطر»، مضيفاً: «لا يمكن أن تحب بلدك حينما تفوز فقط». هذا شعور ديمقراطي قوي. لكن تماماً مثلما قلّل ناي وآخرون من شأن التهديد الفاشي في ثلاثينيات القرن الماضي، فإن أزمة الديمقراطية تمثّل موضوعاً هامشياً في انتخابات 2022 النصفية. وهي طريقة أخرى للقول بأن غياب حالة الاستعجال هي نفسها نوع من الأزمة. عنوان في صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي وُفِّق في التقاط مأزق بايدن الصعب، ومأزق الديمقراطية: «ناخبون يرون الديمقراطية في خطر، ولكن إنقاذها ليس أولوية». وكما كان متوقعاً، فإنه لا يوجد اتفاق حول معنى الديمقراطية أو الخطر. ذلك أن «معظم الجمهوريين قالوا إن الأخطار تشمل الرئيس بايدن، ومؤسسات وسائل الإعلام الرئيسية، والحكومة الفدرالية، والتصويت عبر البريد». وهذا يغطي الجميع تقريباً إلا الأشخاص الذين حاولوا الإطاحة بالجمهورية يوم 6 يناير! بايدن لا يستطيع إزالة هؤلاء الأشخاص، وهو أوعى وأحصف من أن يحاول ذلك. لكن بينما يبدأ السياسيون الجمهوريون إعداد آلتهم، من المفيد أن نتذكر القوة التي عورضت بها جهود روزفيلت للدفاع عن أوروبا من الفاشية من قبل بعض مواطنيه الأميركيين. في النهاية، تدخل التاريخ في «برل هاربر»، وهُزمت «أميركا أولاً». وكانت تلك طريقة قاسية ومفصلية لتعلم ثمن الفشل الديمقراطي. لكن خطابات روزفيلت السابقة التي تشير إلى تصاعد الخطر، لم تنجح. ومن شبه المؤكد أن خطابات بايدن لن تنجح أيضاً. غير أنه على غرار روزفيلت، يعرف بايدن أنه يجب إلقاء خطابات، فالتاريخ يدور. وحين يفعل، لا بد من حرث الأرض! *كاتب وصحافي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سنديكيت»