من أهم العبارات التي وردت في الخطاب الذي ألقاه الرئيس جو بايدن الأسبوع الماضي حول حماية الديمقراطية، عبارة لم ينتبه إليها الكثيرون الذين سمعوا الخطاب أو قرؤوا عنه. في ذلك الخطاب، قال بايدن: «إن الشيء المذهل بشأن الديمقراطية الأميركية هو التالي: إن عدداً كافيا منّا، في عدد كاف من المناسبات، اختار عدم تفكيك الديمقراطية، بل الحفاظ على الديمقراطية». 
الجملة واضحة: إن تفكيك ديمقراطيتنا بات على بُعد ناخب واحد غير مبالٍ، أو لائحة واحدة لقوانين تهدف إلى كبح التصويت، أو سيل واحد من المعلومات المغلوطة والمضللة. 
الانتخابات الرئاسية الحديثة لا تنتهي بانتصارات كبيرة في الغالب. فمنذ رونالد ريجان في 1984، لم يفز أي رئيس أميركي بهامش أعلى من 10 نقاط مئوية في التصويت الشعبي. وعلى سبيل المثال، فإن هامش فوز بايدن على دونالد ترامب بلغ 4 نقاط مئوية فقط. 
هذه الفوارق الضئيلة تخفيها وتغطي عليها عيوبُ عمليتنا الانتخابية وخصائصها، وكيف أن الولايات الصغيرة تحصل على تمثيل أكبر من حجمها، ومعظم الولايات تمنح «الناخبين الكبار» على أساس مبدأ «الفائز يفوز بكل شيء». 
وعلى سبيل المثال، فإن بايدن فاز في جورجيا بأكثر من 12 ألف صوت بقليل، وهو ما مثّل 0.2% فقط من الأصوات المدلى بها في الولاية، غير أنه حصل على كل أصوات الولاية الانتخابية الـ16. وتلك هي الطريقة التي ننتخب بها الرؤساء في هذا البلد. لكن هذه الطريقة نفسها تعني أن الرئيسَيْن «الجمهوريين» الماضيين للبلاد استطاعا الفوز بالمجمع الانتخابي في حين خسرا التصويت الشعبي، وهما جورج بوش في عام 2000 ودونالد ترامب في عام 2016. 
أسرد كل هذا لكي أقول إننا كنا دائماً قريبين من الكارثة. وهذا لا يقتصر على الانتخابات الرئاسية فحسب. فالمأزق نفسه يشمل انتخابات هذا العام النصفية في وقت تبدو فيه السيطرة على الكونجرس معلّقة في الميزان، ويقف «المتوحشون المعادون للديمقراطية» على الأبواب. 
حالياً، يسود الاعتقادُ على نطاق واسع بأن الجمهوريين سيستعيدون السيطرة على مجلس النواب، على أن السؤال الوحيد هو: بأي فارق؟ لكن السيطرة على مجلس الشيوخ تعرف تنافساً قوياً، حيث تجري بعضٌ من أكثر السباقات الانتخابية احتداماً في ولايات غالباً ما تشهد تأرجح الانتخابات الرئاسية، مثل جورجيا وبنسلفانيا وأريزونا وويسكونسن. 
في كل واحدة من هذه الانتخابات، سبق للمرشحين الجمهوريين لمجلس الشيوخ، في لحظة من اللحظات، أن أنكروا نتائج انتخابات 2020 بشكل صريح أو دفعوا بادعاءات باطلة حول الاحتيال والتزوير في الانتخابات.
هؤلاء المرشحون لديهم فرصة للفوز، لكن حتى لو لم تكن لديهم تلك الفرصة، فإن الضرر الذي يتسبب فيه إنكارهم لنتيجة الانتخابات باقٍ ومستمر. 
الإيمان والشك نقيضان، لكنهما يشتغلان باستخدام الطاقة العاطفية نفسها، على غرار الحب والكره. وفضلاً عن ذلك، فإنهما يطرحان إشكالية.
وقد حوّل الجمهوريون الشك حول انتخابات 2020، وحول شرعية أي انتخابات يخسرونها، إلى «اختبار إيمان». لقد بات البوتقة التي ينبغي للمرء اجتيازها حتى يكون جمهورياً حديثاً يتمتع بوضع جيد داخل الحزب. فأنت لا تكون صادقاً إلا إذا صدّقت الكذبةَ. 
وعلاوة على ذلك، يتصرف الكثير من المسؤولين المنتخَبين بانتهازية، فيستخدمون الكذبةَ لإثارة الناخبين أو للاستفادة من الحماس الذي تثيره الكذبةُ. لكن بالنسبة لكثير من أتباع ترامب، الكذبةُ حقيقةٌ لا يرقى إليها الشك. ويتم ترسيخها في القلوب والأرواح. 
والأكيد أن هذا الوهم الجماعي لن يكون من السهل التخلص منه. حين يكون لدينا إيمان عميق بشيء ما، نجد راحة فيه. فالإيمان ثمين، هدية خلقَها العقل من أجل التهدئة والتطمين. ونحن لا نتخلى عنها بسهولة. والثقة والشك يبقيان. وحتى حين نقبل ونعترف بالأدلة التي تجعل الفكرة التي وضعنا ثقتنا فيها خاطئة، يتمسك العقل في كثير من الأحوال بالقليل مما شعر به واعتقده. وهذا شيء طبيعي، وشيء إنساني. لكنه يمثِّل مشكلة لديمقراطيتنا. ذلك أن الأشخاص الذي يكافحون من أجل إنقاذ الديمقراطية يفعلون ذلك استناداً إلى حقيقة، في حين أن الأشخاص الذين يرغبون في تدميرها ويعملون على ذلك، يشتغلون بناءً على شعور. الفريق الأول يعتمد على البيانات والثاني يعتمد على عقيدة. 
إنها لغات مختلفة تعكس جوانب مختلفة من التجربة البشرية، فالمؤمنون المناوئون للديمقراطية لا يمكن للحقائق أن تثنيهم ولن تثنيهم، وذلك لأن الإيمان، الذي لا يتطلب أدلةً، يمكن تغذيته وتأكيده بأشياء ليست حقيقية. وهذا بالضبط ما يحدث حالياً. 
وذلك الإيمان لا يسمح حتى بفكرة مؤداها أن تدمير الديمقراطية سيكون سيئاً، أو أسوأ بكثير من الظروف الحالية. ولهذا، قد يعتقد بعض الأشخاص أنهم سيستفيدون من موت الديمقراطية. 
هذه هي تركة ترامب المشوّهة، وهو شيء سيدوم ويستمر معنا بغض النظر عما سيحدث خلال هذه الانتخابات النصفية، سواء ترشّح للرئاسة مرة أخرى أم لا. وبالتالي، فإن الضرر الذي تسبب فيه، وما زال يتسبب فيه، سيكون في النهاية أكبر بكثير من أي وقت مضى. 
لقد أنجب تشويهاً سيبقى ويستمر حتى بعد مماته. 
ومثلما أشار بايدن، فإن البلاد أخذت تقترب على نحو خطير من تنصيب مسؤولين يريدون تفكيكها وإعادة تشكيلها، مسؤولين يرغبون في ديمقراطية جزئية أو لا يرغبون في أي ديمقراطية أصلاً. بعبارة أخرى، إن أميركا باتت على بُعد انتخابات سيئة واحدة قد تتحول إلى ذكرى.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/11/06/opinion/midterms-democracy.html