لم تحظ فعّالية رياضية كبرى باهتمام مثل ما حظيت به استضافة قطر لكأس العالم 2022، من جانب الإعلاميين والمعلقين والباحثين بل والسياسيين. وأسهمت الدراما التي حفلت بها البطولة بخروج منتخباتٍ كانت مؤهلة للفوز بها في زيادة التفحص الدقيق للحدث الرياضي. وركز هؤلاء وهؤلاء على أبعاد عديدة ومتنوعة، مثل الأبعاد التنظيمية والبيئية والحقوقية والاقتصادية والسياسية. وقد حظيت الأخيرة باهتمام كبير لدرجة تحذير البعض من تسييس الرياضة.
بيد أن هناك بعداً مهماً، أهمله كثيرون ممن أمعنوا النظر في البطولة فحصاً وتدقيقاً، وهو كيف تم توفير المياه اللازمة لزراعة وري العشب في ملاعب المباريات الثمانية وعشرات الملاعب التدريبية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، وكذلك لزراعة وري عشب الطوارئ، في بيئةٍ صحراوية قاحلة كبيئة قطر، التي تعد أكثر دول العالم ندرةً في المياه. فلا توجد أنهار في قطر، والمعدل السنوي لتساقط الأمطار فيها أقل من 10 سم سنوياً، وتكاد الموارد المائية الطبيعية في قطر تكفي فقط 14 ألف نسمة، في حين يقطن فيها نحو 2.9 مليون شخص، فضلاً على نحو مليون سائح خلال بطولة كأس العالم، ما أدى إلى زيادة استهلاك المياه بنسبة 10%. 
وقد كانت محطات تحلية المياه هي مصدر المياه المستخدمة في ملاعب المباريات الثمانية وملاعب التدريب العديدة. أمّا عشب الطوارئ أو الاحتياطي، فاستخدمت المياه المعاد تدويرها في زراعته وريه. والحق أن توفير هذه الكمية الهائلة من المياه (10 آلاف لتر يومياً) كان أبرز التحديات التي واجهتها قطر في استضافة كأس العالم. ولابد من الإشادة بكيفية تعاملها مع هذا التحدي.
وحتى إذا كانت إمدادات مياه البحر المستخدمة في التحلية غير محدودة، وحتى إذا كانت كمية الطاقة الضخمة اللازمة لتشغيل محطات التحلية متوافرة، كان على قطر أن تواجه تحدياً آخر لا يقل أهمية، وهو التحدي البيئي المتصل بأنّ الطاقة الهيدروكربونية المستخدمة شديدة التلوث. وقد واجهت الدوحة هذا التحدي بنجاحٍ نسبي أيضاً، فوضعت لنفسها أهدافاً بيئية طموحة، وأجرت تغييرات حقيقية للغاية لتقليل انبعاثات الكربون في عملية تحلية المياه.
ومن المفارقات أن الدراسات والآثار الجيولوجية تشير إلى أنّ شبه الجزيرة العربية كانت غزيرة الأمطار، وكان يجري فيها عدد كبير من الأنهار، ولكنها جفت جميعاً بفعل عوامل مختلفة يعزوها العلماء إلى التغيرات المناخية خلال آلاف السنين. فقد كشفت صور بالأقمار الصناعية عن وجود شبكة من الأنهار القديمة، نحو 22 نهراً، كانت تجري في شبه الجزيرة العربية. وثمة اعتقاد لدى العلماء أن الجزيرة ستعود خضراء كما كانت. 
ويتوقع كثير من الجيولوجيين عودة البحيرات إلى صحراء الجزيرة العربية، وعودة المياه إلى الأنهار المغطاة، وعودة الجزيرة خضراء كما كانت، في المدى البعيد. وقد بشر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بذلك، عندما قال: «لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً». صحيح مسلم. 

*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية