لا يخلو البحث في سياق السلوك الإنساني من الحديث عن الإضافات النوعية القيمية الرامية إلى تصويب المسار الأدائي وتقدمه وفق أفضل الممكن. 
وبالرغم من اتساع مفهوم «القيم الإنسانية»، فإنها باتت قوية الارتباط بمرجعيتها «الأخلاقية» وما تحويه من قيم ومسؤوليات ضمن المنظومة الفكرية. وفي عرض الصورة العامة لا بد من الإحاطة بأساس الفهم الصحيح للأخلاق والقيم بصورة تحليلية دقيقة، فلا يمكن تجاوز معنى النسبية التي تبتعد عن الوقوع في فضاء عام ينتج «طوباوية أخلاقية». 
وفي تشريحها لمفهوم «الأخلاق» ومعناه، ذهبت بعض الرؤى العلمية والفلسفية إلى اعتباره انعكاساً صادقاً لمكنونات الفرد وتكوينه العاطفي المتجسد وسلوك وأفعال، بينما تعد في المنظور الاجتماعي عبارةٌ عن تفاعل يلزمه العيش ضمن مجتمع، إذ لا وجود ولا قيمة لأي «فعل أخلاقي» مجرد من التشارك الإنساني والتفاعل. وقد أشار لذلك الفيلسوف والاجتماعي أميل دوركهايم في قوله: «ظواهر المعتقدات والأعمال الدينية وقواعد الأخلاق، وعدد لا يحصى من القواعد القانونية.. تعدّ من أكثر ظواهر الحياة الاجتماعية بروزاً. وهي جميعاً أمور ملزمة، وهذا الإلزام هو الدليل على أنّ هذه الأنماط سواء منها ما يتعلق بالعمل أم ما يتعلق بالتفكير، ليست من عمل الفرد، وإنّما هي في جملتها صادرة عن قوة معنوية تفوقه»، وهذا لا يعني محو الهوية الأخلاقية الفردية بل هو سياق تحليلي لماهية الأخلاق متجسدةً في السلوك. 
أما في المذاهب التوصيفية فقد تم احتضان الفهم القيمي والأخلاقي من منظور مختلف، إذ اتحدت تارةً مع المنفعة مكونةً اتجاهاً فكرياً يؤمن بآلية الأخلاق التي تحقق المصلحة العامة، باعتبارها الستار الذي يخفي وراءَه المصلحة الفردية، ولا يتحقق الأخير إلا بما سبقه، وبالتالي فإن هذا الاتجاه يمكن اعتباره خطوة لاحقة للنظرية «الابيقورية» التي جاء بها الفيلسوف اليوناني أبيقور والتي تقتضي فهم الأخلاق من منظور رفاهي، إذ يعتبر أن «اللذة غاية الحياة»، والخير الأول فيها، والذي من خلاله يختار الإنسان وينتقي سلوكه المحقِّق للسعادة، وقد تفوق على سطحية الدلالات بإشارته للتأثيرات على عملية إنتاج السلوك الأخلاقي، فلم يهمل ما للألم والزمن من دور في تشكيل هيكلة ذلك السلوك.
وباقتفاء خطى إيمانويل كانط سنجده يَعتبر الأخلاقَ ذات سياق إلزامي يتحدد من خلال محددات، إذ إن الإرادة شرط واجب التحقق فيه، ولا بد من مواءمته مع الموقف الذي يوضع فيه «الواجب»، وأن يصاحب ذلك الاندفاع الساعي لتحقيق الواجب متجاوزاً كل أصوات «المصالح الشخصية». وبالتالي فالسلوك الأخلاقي نتاج من خليط إرادة وحسن تصرف متسامٍ على النزعات الفردية، ومنطلقاً من الإيمان بضرورة احترام القاعدة الأخلاقية. وهذا الطرح ربما لا يجد مسلكاً موازياً إذا ما وضع بجانب مذهب القوة، وبخاصة لدى رائده الفيلسوف نيتشه الذي يرى أن مكمن الأخلاق يكون في التحرر من القيود التي توضع حول عنق الإنسان وتؤدي إلى خضوعه واستسلامه، وعليه فإن عنصريْ القوة والسلطة أساس ثابت للوجود الأخلاقي. يقول نيتشه في تفسيره للخير يقول: «ماهو الخير؟ إنه هو الذي ينمّي حس السلطة. وما هو الشر؟ إنه هو ما يولَد من الضعف»، وبالتالي فالسلطة والقوة يمكن للإنسان من خلالهما هزيمة الخطأ والشهوات والمغريات التي تنحدر عن الفضيلة، وهنا تكون الأخلاق. 
إن الدراية بجهود التفسير الدقيق لنشأة القيم ومنبع الأخلاق ومورد الضمير الإنساني، لا ترمي للالتزام بنظرة دون غيرها، ولا تفرض التأييد ولا الترجيح بقدر ما تسعى لتأثيث العقل بمفاهيم واعية، وإدراك المسارات التي مر من خلالها التفسير السلوكي والأخلاقي للإنسان، والتي تقودنا في نهاية المطاف للاقتراب من المرجو في قدرة الإنسان على التحكم في ميزانه الأخلاقي الداخلي ومعاينة الأحداث والتصرف فيها من قلب المعرفة الناضجة، التي وإن لم تكتف من الاستزادة المعرفية، فإنها كفؤ في تجاوز «الشبهات السلوكية» المرتدية لبوس الأخلاق! 

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة