يقولون الصدق محبة، وسؤال، واعتذار، وحزن ومدح وثناء.. ولكن في القصتين، بالتأكيد هنا فلتة من الجنون!
أحدهم كتب بأن ما يهمه هي الصراحة، وأضاف بأنه يستطيع التغاضي عن عيوب كثيرة، وهو ليس مجرداً منها، لكنه لا يستطيع التغاضي عن الكذب، الكاذب كما يقول الكاتب لا يمكن أن يكون آمناً. خطرت في ذهني هذه العبارة حينما قرأت خبراً نشر في أغلب وسائل الإعلام، يقول إن سيدة إندونيسية لجأت لحيلة كي تهرب من دائنيها بعدما عجزت عن سداد مستحقاتهم لديها، حيث صدمت أقاربها بتزييف وفاتها والتظاهر بأنها جثة هامدة، وإنها جعلت ابنها يقوم بتصويرها ونشر صورها في مواقع التواصل الاجتماعي، ولجأت السيدة المثقلة بديونها إلى هذه الحيلة للتهرب من دفع قسط من مبلغ اقترضته من سيدة أخرى بقيمة 268 دورلاً.
وعن هذه الواقعة، نشر أحد المواقع: «إن براميتا طلبت بالفعل تمديد القرض لأنها لم تستطع سداد القسط، لكن عندما كان الموعد النهائي الثاني على وشك الانتهاء، أعلن ابنها على فيسبوك خبر وفاتها، ونشر صوراً لجثتها مع قطع من القطن في أنفها»، وكادت هذه الكذبة أن تمر على الناس، إلا أن مجموعة ناشطة على الإنترنت فضخت الأمر.
وأظن ما قامت به هذه المرأة حيلة غبية، فهي حتى لم تفكر في الغد، ما الذي سيحدث لو علمت القرية أنها لا تزال على قيد الحياة، لكن موقفها البائس كي تهرب من دائنيها الذين دفعوها لأن تفعل ما لا يمكن للعقل أن يصدقه من فرط سخريته، وكل ما كان يهمها هي أن تفلت من أصحاب المستحقات بأي وجه من الوجوه، حتى لو ادعت لعدد من الأشهر بأنها قد فارقت الحياة. 

وسريعاً ما تذكرت مسلسل «العراف» للفنان الكبير عادل إمام، حيث يجسد في هذا العمل الدرامي شخصية رجل عاش بأكثر من اسم وهوية، والأدهى والأمر أنه كان في كل مرة يتزوج فيها من امرأة، ينجب منها طفلاً، ثم يترك الأم والطفل يصارعان الحياة.
يبدو أن السيدة الإندونيسية كانت في ظنها أن الأشخاص الذين ينتظرون منها سداد الديون سيتوقفون عن المطالبة بنقودهم، وأن أهل قريتها سيتبرعون لها، حتى ولو كل فرد قدم لها دولاراً بعد هذه الانتكاسة، كي تخرج من محنتها المثيرة.
وفي ذلك الوقت، كان هناك خبر أشد غرابة من براميتا التي ادعت الموت، فقد أصيبت أسرة أميركية بالصدمة عند اكتشافها أن هدية عيد الميلاد التي أرسلتها الجدة لأحفادها من أستراليا تحتوي على جمجمة حيوان وليس قالب حلوى كانوا ينتظرونه، وكان من المفترض أن يشتمل على البسكويت والحلوى، ولكن بدلاً من ذلك كانت الهدية جمجمة مقززة بداخله.
الحياة شديدة الغرابة، ومن شدة غرابتها بات الناس يقومون بأفعال تثير الريبة والشك، وإلا ما الذي يدفع الجدة بدلاًمن أن ترسل قالباً من الحلوى أن ترسل جمجمة، وما الذي دفع المسكينة الإندونيسية أن تنشر صورها على الفيسبوك لتؤكد للجميع وفاتها؟
يقولون الصدق محبة، وسؤال، واعتذار، وحزن ومدح وثناء.. ولكن في القصتين، بالتأكيد هنا فلتة من الجنون! 

* كاتبة وروائية سعودية