ربما كان المفكر السعودي الراحل عبدالله القصيمي (1907- 1996) صادقاً حين وصف العربَ بأنهم ظاهرة صوتية، وذلك في عنوان كتابه الصادر عام 1977 في باريس، والذي أثار في حينه ردودَ أفعال قوية وأحدث ضجةً واسعةً، وأصبح عنوان الكتاب نفسه مثلاً سائراً يتردد في كثير من الأحداث والمناسبات والأزمات التي يعجز العرب عن حلها أو مداواة جراحها. وهنا أتذكر قصةً قديمةً من التراث، وخلاصتها أن رجلاً من أهل البادية كان يمتطي جملَه في فيافي الصحراء القاحلة قاصداً مأواه، وعلى ظهر جمله حمولة يتضح أنها ثقيلة من خلال الحركة البطيئة والمثقلة للجمل. وفي الأثناء صادفه أَعرابيٌ راجلاً لوحده، فسأله: يا أخا العرب، أين وجهتك؟ ومن أين أتيت؟ وماذا على ظهر بعيرك الذي أنت راكبه، والذي أرى عليه علامات التعب والإعياء والإنهاك من ثقل الحمولة؟ فقال صاحب الجمل: الحمل شقٌ منه قمح وشقه الآخر ترابٌ وضعتُه كي يتعادل الحمل ويتوازن ولا يميل أو يقع من على ظهر البعير. فضحك الأعرابي مستغرباً وقال: لماذا أنهكت نفسَك وأتعبت جملَك بحمولة لا ضرورة لنصفها؟ ولماذا لا تقسم كيس القمح على نصفين، وترتاح أنت وجملك من حمل التراب؟ اقتنع الرجل بالفكرة في الحال واستساغ ما سمعه من الإعرابي البسيط، وأناخ جمله وكب كيس التراب، وقسم القمح نصفين وحملهما على ظهر جمله، وارتاح الجمل من الحمل الثقيل وأصبح سيره أسرع وخطاه أبعد. وعندها رد صاحب الجمل السؤال للأعرابي: وأنت ماذا تعمل أيها اللبيب؟ قال: ليس لدي سوى هذه العصا التي بيدي، لا أملك بيتاً ولا جملاً! فتعجب الرجل وأناخ بعيره وأعاد كيس التراب والقمح كما كانا على ظهر الجمل، قائلاً للإعرابي: كيف صدقتُك وأنت لست من ذوي الشأن والمكانة؟ لو أن ذكاءك المتقد وفكرك المستنير هذا نفعك، لكنتَ غنياً وتمتلك الأموال وقطعان المواشي والخيرات الكثيرة، أما والحال غير ذلك فدعني وحالي، فما بي خير من مشورتك وأفضل من فكرك الذي لم يوصلك إلا إلى هذه الحال البائسة!
ولعل هذه القصة التراثية القديمة تقودنا إلى حديث الشارع هذه الأيام، حيث تحول الكل فجأة إلى خبراء جيولوجيا مختصين بالزلازل وبصفائح الأرض وتحركاتها، منذ الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا الشهر الماضي وراح ضحيته أكثر من 50 ألف شخص وبقي عدد غير معروف تحت الأنقاض. الكل يتحدث عن الزلازل، وكيف تقع، ومتى، وأين.. وهناك من قال إن سببها سدود المياه في المنطقة.. ومَن قال إنها غضب الله تعالى على الناس بسبب استشراء الطمع والجشع فيهم.. وهناك مَن رآها من علامات الساعة، حيث تكثر الزلازل والفتن والمحن.. وهناك مَن ذهب أبعد من ذلك ملمِّحاً إلى وجود مؤامرة على العرب والمسلمين، قائلاً إن الزلزال حدث بوساطة التقنيات الحديثة المتطورة.. وثمة من قال إن الزلزال حدث بسبب كثرة البشر والمباني والمصانع والجسور والآلات والمعدات والجيوش والمنشآت الكثيرة.. مما أصبح يشكل ثقلاً هائلا على الأرض وقشرتها الهشة والتي ما عادت تتحمل كل ذلك! 

وكل هذا يؤكد أن الكثيرين من العرب ما زالوا يهرفون بما لا يعرفون، يجترون ما لا يفقهون ويخوضون في ما ليس لهم به علم ولا معرفة!


*كاتب سعودي