تتوسط عجلةُ الغزل التقليدية العلَمَ الهنديَّ الذي اقترح صيغتَه المهاتما غاندي أمام المؤتمر الوطني الهندي عام 1921، وهي ترمز إلى هدف غاندي متمثلاً في تحفيز الهنود وتشجيعهم على الاعتماد على أنفسهم في صناعة ونسج ملابسهم بأنفسهم، ضمن كفاحه الذي امتد 78 عاماً ضد الاستعمار ولمقاومة الاستبداد والدفاع عن حقوق الإنسان الهندي في العيش والاستقلال واحترام الأقليات الهندية.

وما بين عجلة غاندي وأهدافها النبيلة والتطور الصناعي الذي تَشهده الهندُ حالياً، بونٌ شاسعٌ من التقدم، إذ انتقلت الهند من تحقيق الأماني الصغيرة متمثلةً في اعتماد الشعب على نفسه في صنع ملابسه، إلى بلد منتج ومصدِّر لكثير من الصناعات وقد بدأ يلج عالمَ التقنيات والبرمجيات المتقدمة وصناعة الطائرات والبارجات والمعدات العسكرية المتطورة.. حتى أصبحت الهند اليوم بلداً صناعياً ونووياً ذا ثقل اقتصادي ضخم وذا مكانة استراتيجية وسياسية تقف على مصاف الدول الكبرى.

الهند دولة ديمقراطية نشطة متعددة الطوائف والديانات والتنوع الثقافي والعرقي، وتعد ثاني أكبر الدول من حيث عدد السكان في العالَم وأكثرها نمواً في التعداد اليومي بعد الصين، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تحقيق مكاسب اقتصادية وإنتاجية هائلة نظراً لتوافر اليد العاملة ولتباين الكفاءات بين تلك الأيدي، مما ساهم في تشكيل أهميتها الصناعية والعسكرية والجيوسياسية على نحو ينافس الدول الكبرى في العالم بحجم استثماراتها الهائلة في السوق الموحدة، وإصلاحاتها الأخيرة في مجال التعامل الضريبي والبنى الأساسية في التعليم وتراجع نسبة الأمية وتزايد القدرات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات وتدريب القوى العاملة في مجالات التصنيع، فضلاً عن البرنامج الرائد الذي تبنته الحكومة الهندية («اصنع في الهند») والذي يشكل نقلة نوعية في محاولات إضفاء التنافسية والجودة على صناعاتها المحلية لتواكب المنتجات العالمية الأكثر جذباً في سوق الصناعات الثقيلة.

وتعتبر جمهورية الهند إحدى القوى العظمى الصاعدة في العالَم، فإلى جانب ما ذكرناه آنفاً حول تنامي القوة الصناعية فيها، ونسبة نمو الناتج الإجمالي المحلي، فإن هناك أسباباً ديموغرافية وبيئية ساهمت في هذا الصعود، فخصوبة أراضي الهند وموارد المياه لديها وتعدد منتجاتها الزراعية، ومصادر الروائح العطرية والمطيبات الغذائية (البهارات) وجودة الأقمشة والمنحوتات والفضيات وتجارة الذهب والأحجار الكريمة والألماس.. كل ذلك من العوامل التي أبرزت أهمية المنتجات الهندية، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.

وهذا بالطبع إلى جانب مرافئها التجارية الضخمة التي تصدّر عبرها كل هذه المنتجات، فلن تجد بيتاً في المنطقة لا يستخدم هذه المنتجات أو بعضها. وللعلاقات الخليجية الهندية عمقٌ تاريخي واستراتيجي هام ومتجذر منذ منتصف القرن الماضي، وربما قبل ذلك، أي في فترة ما قبل الطفرة النفطية، وعندما كانت الهجرة للعمل وطلب الرزق تحدث من المنطقة الخليجية إلى الهند قبل وأثناء الاستعمار البريطاني.

وللهند أهمية خاصة في منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط كافة، لذا فإن الهند كقوة إقليمية قادمة لا تقل أهمية عن قوة التنين الصيني الذي يثبت قوته يوماً بعد آخر على مستوى العالم.

*كاتبة سعودية