يصل عدد سكان الصين إلى (1.4) مليار نسمة، لولا سياسة الطفل الواحد لكان عدد سكان الصين الآن يقارب (2) مليار نسمة. في عام 1980 طبقّت الصين «سياسة الطفل الواحد»، وذلك بهدف تخفيض الأعباء عن الموازنة العامة، وتخفيف الضغط على الموارد واحتياجات الطاقة والغذاء.
بعد ربع قرن من سياسة الطفل الواحد، سمحت الصين للعائلات بإنجاب طفل ثانٍ، وكان التوقع هو زيادة كبيرة في معدل النمو السكاني، لكن المفاجأة هو عدم زيادة السكان، ثم كانت المفاجأة الأكبر تراجع عدد السكان في عام 2022، وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد الحديث.
كان عدد السكان في الصين عام 1950 نحو (500) مليون نسمة، وفي عام 1970 أصبح العدد (1) مليار نسمة، وفي عام 2020 أصبح عدد سكان الصين (1.4) مليار نسمة.. ثم بدأ العد التنازلي لسكان الصين!

لقد تحولت قرارات الدولة بشأن الطفل الواحد، من سياسة إلى ثقافة، ومن سلطة إلى تقاليد.. حيث بات الناس يعزفون عن الإنجاب، كما أن تكلفة التعليم، ومنافسة النساء للرجال في سوق العمل، والرغبة في تخفيف العبء الشخصي والمسؤولية عن الآخرين.. قد شجعت على عدم الرغبة في تكوين أُسر لدى الأجيال الجديدة.
أصبحت الصين ذلك العملاق السكاني يعاني من نقص السكان، وفي دراسة مذهلة لجامعة شنغهاي المرموقة توقع الباحثون انخفاض عدد سكان الصين عام 2100 إلى أقل من (600) مليون نسمة!
سيكون عدد السكان، إذن، بعد ثلاثة أرباع القرن يعادل ربع عدد السكان حالياً. وسيكون لذلك بالطبع مخاطرة على الاقتصاد والتنمية في البلاد.
إذا كان التراجع السكاني يمثل تحدياً كبيراً للقوة الاقتصادية الثانية في العالم (الصين)، فإن النزيف الديموغرافي يمثل تحدياً كبيراً هو الآخر للقوة الاقتصادية الثالثة في العالم (اليابان).
شهدت اليابان ذروة النمو السكاني في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث وصل عدد المواليد إلى (2.7) مليون سنوياً. الآن تراجع العدد كثيراً، وصل إلى مليون، ثم انخفض عام 2019 إلى (864) ألف مولود سنوياً.
المعضلة السكانية التي تواجهها اليابان هي انخفاض عدد السكان سنوياً بما يعادل نصف المليون إنسان، ذلك أن عدد الوفيات يدور حول (1.3) مليون شخص سنوياً، بينما يدور عدد المواليد حول (800) ألف سنوياً.

تراجع عدد السكان في اليابان ليصل اليوم إلى أقل من (125) مليون نسمة. يفاقم من أزمة اليابان الديموغرافية أن عدد كبار السن يتزايد، بينما ينخفض عدد الشباب، وفي عام 2036 سيكون ثلث سكان اليابان فوق السبعين عاماً.
والأرقام الأكثر صدمة بشأن مستقبل اليابان تتعلق بانخفاض عدد السكان عام 2049 إلى أقل من (100) مليون نسمة.

وضعت الحكومة اليابانية رؤى استراتيجية لزيادة السكان، لكنها تواجه صعوبات كبيرة، وإذا لم تنجح فإن عدد سكان اليابان سيصل إلى (53) مليون نسمة فقط في عام 2090. وهو ما دعا مجلة اليابان بالعربي «نيبون تايمز» لنشر تحليل صحفي بعنوان: هل ينقرض الشعب الياباني في ظل تراجع عدد المواليد؟ وهكذا.. ليست الصواريخ النووية الكورية الشمالية، ولا التهديد العسكري الأميركي.. بل نقص السكان هو أكبر خطر استراتيجي يواجه اليابان والصين. يا لها من مفارقة مذهلة.
* كاتب مصري