سلطان النيادي هو ثاني رائد فضاء إماراتي بعد هزاع المنصوري، وسيبقى رائد الفضاء في المحطة الدولية لستة أشهرٍ يجري أبحاثه ويشارك زملاءه العلماء من كل مكانٍ في رفع الوعي البشري بقيمة الإنسان والأرض والكون الفسيح.

على مجامر العلم تحترق الأيديولوجيا لا الأديان، وتموت الخرافات لا العقائد الصحيحة، والأيديولوجيات والخرافات تتعتق وتترسخ بطول العهد وتعاقب الأجيال ولا يكشف خطأها إلا العلم والاكتشافات المبهرة في مسيرة تطور البشرية، والدليل والبرهان العلمي طريق لاحب وسبيل رحبٌ لتحقيق العلم ومحاكمة الخرافات.

في العصور الوسطى خاضت الكنيسة معركة طويلة ضد العلم والعلماء باسم الدين ورفضت بشدة مطلقة أي تطوّر علميٍ للإنسانية، فحاربت التطورات الفكرية والفلسفية في تفسير الدين وفي العلوم الإنسانية من جهة وحاربت التطورات العلمية البحتة في علوم مثل الفلك ورفضت القول بدوران الأرض.

كان غاليليو فلكياً كبيراً وعالماّ معروفاً، وكان يثبت للناس دوران الأرض بعلمه وأدلته وبراهينه، وقد أجبرته محاكم التفتيش الكنسية مرغماً أن يتراجع عن قوله بدوران الأرض، وإنْ كان قد سمع وهو خارج المحكمة يقول: «ولكنها تدور»، وعلى عكسه صنع العالم الآخر جيوردانو برونو الذي عاند الكنيسة وأصرّ على موقفه العلمي، ولم يتراجع أمام إرهاب محاكم التفتيش حتى أحرقته حياً في روما 1600م.

كان هذا في بدايات النهضة الأوروبية، أما اليوم فقد بات دوران الأرض وكرويتها من حقائق العلم التي لا يجادل فيها إلا الجهلة خارج مقار العلم وجامعاته، والخرافات قادرة على البقاء في عقول الجهلة أو في عقول غير المختصين حين تصبح أيديولوجيا، ولذلك تجد في مواقع التواصل بعض المخرفين الذين ينفون حقائق العلم بنظريات وترهاتٍ تكسوها المؤامرة والجهل.

معركة المسلمين تأخرت في حسم هذا الجدل العقيم بسبب تأخر نهضة المسلمين والعرب عن أوروبا تاريخياً، ولكنها وصلت بإصرار دول الخليج العربي على العلم والتقدم والرقي، ويتابع الجميع مقاطع الفيديو الجميلة والعفوية التي يرسلها رائد الفضاء سلطان النيادي من المحطة الدولية، إنه عالمٌ شابٌ، والأهم عربيٌ ومسلمٌ، ويلتقط المقاطع الواضحة ويرسلها للجميع والتي لا تدع أي مجالٍ للشك في كروية الأرض عبر الإدراك الحسي المباشر بمجرد النظر إليها، أما البرهنة العقلية فهي قد سبقت ذلك.

المؤدلجون المتشددون الذين هرموا على نظريات بشرية من تاريخٍ قديمٍ قد يكونون عاجزين عن إدراك ما يجري في العالم ويرفضون لطول عهدهم بتلك النظريات البشرية أن يروا الحقائق الجديدة والأدلة والبراهين الواضحة وضوح الشمس، ويتبعهم على ذلك طلبتهم الأصغر سناً وعلماً وقدرةً على التحقيق والتمحيص العلمي.

والمثير والرائع هو أن الأجيال الجديدة من شباب العرب والمسلمين تتداول هذه الحقائق والعلوم بتسليم وعفوية ولا تفكر إطلاقاً في تلك الزوايا المظلمة لبعض العقول المتحجرة، فهم يستمتعون بالمقاطع المصورة ويعلمون الحقائق التي بنيت عليها ويسعون جهدهم لمزيد علمٍ وتطويرٍ وأبحاثٍ تخدم البشرية جمعاء في المستقبل.

بعيداً عن العلم الحديث فإن نصوص الإسلام في القرآن والسنة واضحة في كروية الأرض، وقد استشهد بها فقهاء أفذاذ من شتى المذاهب الإسلامية منذ أكثر من ألف عامٍ ومنهم أبو الحسين بن المنادي الفقيه الحنبلي المتوفى 256 هـ، فكل جدل يثار اليوم إنما يراد به تشويه العلم والزعم بأن الدين يقول عكس ما يقوله العلم، وهذا جهل وافتراء على الدين. أخيراً، فـ«سلطان النيادي» وقبله «هزاع المنصوري» يحملان راية العلم والتنوير بعيداً عن أي مزايدات أو مجادلاتٍ مع نظرياتٍ باليةٍ أو جهلةٍ متشددين، والمجد للعلم والعلماء.

*كاتب سعودي