تزامنت في الفترة الأخيرة أهوال الزلازل والفيضانات والأعاصير والاقتتال في مناطق مشتعلة بالحروب والمنازعات والخلافات والاضطرابات، فضلا عن أزمات سياسية واقتصادية وإنسانية.. وكلها تمس من سلامة البشر وتضيِّق عليهم حياتَهم وتحولها إلى حالة من الضنك والشتات والتشرد، وما يرافق ذلك من أزمات اقتصادية تزيد الغلاءَ والتضخم وارتفاع الضرائب.
وقد لوحظ عجز المنظمات والجمعيات الإنسانية عن تلبية المطالب والاحتياجات الأساسية المتعددة والمتجددة بسبب الكوارث والمآسي المختلفة، من حروب وأوبئة وكوارث طبيعية وأزمات سياسية وأمنية.. وهي في أغلبها بسبب فعل الإنسان نفسه، خاصةً بعد أن ازدادت أعداد البشرية وارتفع الطلب على الموارد والوظائف في كثير من الدول، وبدأت المدن تضيق بأهلها.
إنه عالم طغت عليه الأنانية والجشع والرغبة في الربح السريع، وكأنه يريد التخلص من المجتمعات كما لو أن أعدادها أصبحت زائدة عن الحاجة.. عالم ينهمك في صناعة الصواريخ والقنابل والقذائف والدبابات والمدرعات والألغام والمسيَّرات.. أكثر من انهماكه في إنتاج معدات قادرة على انتشال الإنسان، أو في تصنيع أجهزة دقيقة تحدد مكان الإنسان تحت الركام وتنقذه، أو في تصميم مبانٍ قابلة لتلقي الهزات الأرضية وامتصاصها، أو في ابتكار أجهزة حديثة دقيقة لاستشعار وقوع الزلازل والتقليل من مخاطرها.. حتى لا يفقد 50 ألف شخص حياتَهم في لحظات ويبقى عدد غير معروف تحت الأنقاض، مع حدوث خسائر مادية تصل 34 مليار دولار، كما حدث في تركيا وسوريا مؤخراً. وبالطبع فإن الأزمة الإنسانية والاقتصادية هناك لن تتوقف عند هذا الحد، إذ الأخطر فيها هو ما بعد موت الضحايا وتعفن الجثث تحت الأنقاض، حيث تتفشى الأمراض المعدية والأوبئة جراء العفن المنتشر! وفضلا عن الأمراض الأخرى التي تتفشى جراء تعطل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي في المدن المنكوبة، فإن هناك الصدمات النفسية التي يتعرض لها أبناء وأقارب الضحايا جراء الكارثة المرعبة، والتي ما زالت أعداد ضحاياها في تزايد مستمر، لأن كثيراً من المساكن المكتظة بالعوائل المشردة لم تُحصَ ولم يتعرف عليها أحد، كونها عوائل مشردة يتكدس أفرادُها في مساكن صغيرة بسبب البرد والثلج وقلة الإمكانات. إنهم لاجئون ومشردون كانت الكارثة الأكبر لهم بالمرصاد، حيث جاء الزلزال فـ«قلب عاليها على واطيها»، فاختلطت أشلاؤهم بعضها ببعض، وكثير منهم أصبح في عداد المفقودين. وبسبب فوضى السكن وظروف التهجير بالنسبة للاجئين ربما هناك مَن لا يحملون هويات لإثبات الشخصية خوفاً من المطاردة والملاحقة.
ورغم كل المساعدات الإنسانية التي قامت بها بعض الدول، وخصوصاً دول الخليج العربية التي سارعت بتقديم المساعدات الطبية الإنسانية السخية والأموال الطائلة، فإن حجم الكارثة الكبرى يتطلب تقديم العون من العالَم كلِّه، والذي يتعين عليه أن يستنفر ويهتز ضميره ويهبّ للمساعدة في هذه المأساة المرعبة، والتي سوف تنعكس أضرارُها لاحقاً على المنطقة وما حولها إذا لم يتداركها العالَمُ ويحتوي آثارَها وتداعياتها السلبية سريعاً، قبل أن تتفشى الأمراض المعدية وتتحول صدمة الزلزال إلى مضاعفات خطيرة تهدد الاقتصاد والأمن والاستقرار العام.


*كاتب سعودي