في تقرير جديد صدر نهاية شهر مارس الماضي عن منظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف والإسكوا، تم الإعلان عن مستويات جديدة لكل من الجوع وسوء التغذية التي وصلت إلى مستويات حرجة في المنطقة العربية، لا سيما بعد أن أعاقت جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا إمكانية الحصول على الأغذية الأساسية.
التقرير الصادم أشار إلى أن حوالي 53.9 مليون شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد في المنطقة العربية في عام 2021، أي بزيادة قدرها 55% عن المستويات التي أعلن عنها عام 2010، وبزيادة قدرها 5 ملايين عن العام السابق. كما أشار إلى إن أكثر من نصف سكان الدول العربية - أي 162.7 مليون شخص - لم يستطيعوا تحمل كلفة تبني نمط غذائي صحي في عام 2020، والذي وصلت فيه كلفة هذا النمط إلى 3.47 دولار أميركي للفرد الواحد في اليوم.
وهذا التقرير يؤكد، وغيره من التقارير، أن جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا قد تسببتا في تفاقم الوضع من خلال خلق اضطرابات في سلاسل التوريد وزيادة أسعار الحبوب والأسمدة والطاقة. وبالرغم من انخفاض تداعيات إعادة فتح الاقتصادات وأزمة سلاسل التوريد إلا أن معدلات التضخم ما تزال مرتفعة وهي تقترب من 50%. ومعلوم أن التضخم يعني ارتفاع كلفة المعيشة وغلاء أسعار المواد الأولية، وعجز في الموازنات الحكومية وتراجع قيمة العملة إلى حد الانهيار.
تلك الأرقام المفزعة جعلتني أعود إلى مقال سابق كنت قد كتبه قبل عدة شهور بمناسبة انعقاد منتدى دافوس، وفيه أشرت إلى أن ملايين البشر يواجهون شبح أزمة نقص الغذاء غير المسبوقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. وقتذاك حذر الخبراء المشاركون في المنتدى من ارتفاع أسعار السلع والخدمات بما يفوق القدرة الشرائية لملايين المستهلكين، وعجز حكومات الدول النامية والفقيرة عن الوفاء بالتزاماتها وتوفير احتياجات شعوبها وهو ما أدى إلى إعلان بعض الحكومات إلى إعلان إفلاسها كما حدث في سيريلانكا.
كل ذلك يقودني إلى ما حذر منه خبراء الغذاء في العالم، وهم الذين تحدثوا عن أزمة الجوع التي تعيشها عدة دول، واعتبروها الأخطر في التاريخ الحديث بعد إعلان أكثر من دولة عن وقف تصدير منتجاتها من الحبوب والزيوت التي ترتفع أسعارها في الأسواق.
ما يحدث في العالم اليوم لا يتعلق فقط - برأي كثيرين – بالحرب المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا، حيث يعيد محللون ورؤساء منظمات وقادة سياسيون الأمر برمته إلى جملة أسباب من بينها رغبة الشركات في تحقيق المزيد من الأرباح، وهو ما يلقي بظلاله على حياة الناس في جميع أنحاء العالم، وينعكس على أنماطهم السلوكية، حتى في الدول الكبرى والدول المعروفة بمستويات الرفاهية العالية، فتلك الدول تأثرت.

توبياس أدريان الذي يشغل منصب المستشار المالي ورئيس إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي أكد مؤخراً أن «النظام المالي العالمي يواجه ضغوطاً هائلة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة الذي أدى إلى زعزعة الثقة في عدد من المؤسسات. فسقوط «بنك سيليكون فالي» وبنك «سيغنتشر» في الولايات المتحدة – نتيجة هروب المودعين غير المؤمن عليهم بعدما أدركوا حجم الخسائر الضخمة في محافظ الأوراق المالية للبنكين نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة – والاستحواذ على بنك كريدي سويس في سويسرا من جانب منافسه بنك الاتحاد السويسري بدعم من الحكومة، ساهما في زعزعة ثقة الأسواق وأسفرا عن استجابات كبيرة وعاجلة من جانب السلطات».