عندما يبشرنا بيل جيتس في رسالة مطولة بإعلانه عن بداية عصر الذكاء الاصطناعي، ينبغي علينا أن نأخذ كلامه على محمل الجد، وهو أحد خبراء وعباقرة هذا المجال. وجيتس ليس وحده من ردد هذا الكلام. ففي دراسة أعدها باحثون بمعهد «مستقبل الإنسانية» في جامعة أوكسفورد البريطانية، جاء أن الآلات ستكون أفضل من البشر في ترجمة اللغات بحلول العام المقبل، ويمكنها كتابة مقالات ودراسات كاملة عام 2026، وقيادة شاحنة بحلول 2027، والعمل في تجارة التجزئة بحلول 2031، وفي عام 2049 سيكون بمقدور أنظمة الذكاء الاصطناعي تأليف أكثر الكتب مبيعاً.
لا شك أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تعمل على تغيير عالمنا، خصوصاً وأنها باتت أكثر شيوعاً من أي وقت مضى، وشركات مثل جوجل ومايكروسوفت تقدم أدوات ذكاء اصطناعي سهلة الاستخدام، كروبوتات الدردشة التي تمكنت من فهم وإنشاء لغة طبيعية، كما اجتازت روبوتات أخرى اختبارات متقدمة كامتحان المحاماة، وحصلت على درجات عالية. ولعل الأكثر إثارة في الموضوع وجود روبوتات تجري عمليات جراحية، لكن المستقبل القريب سيشهد تفوق الذكاء الاصطناعي على البشر وتتمكن الآلات من تولي زمام الأمور في كل الوظائف البشرية، وهو ما بدأنا نشهد تبشيره في عدد من القطاعات.
ورغم أن الروبوتات تمثل خطراً على العمال والموظفين في عدد من القطاعات، إلا أن الإنسان قادر على التكيف وإعادة تأهيل واقعه ونفسه فيخلق وظائف جديدة، ويبقى الخطر الأكبر عندما يهدد الذكاء الاصطناعي حياة الإنسان ذاته، وهنا لا بد من التوقف عند الجانب الأخلاقي لتلك التكنولوجيا وصانعيها الذين تمكنوا من ابتكار «شياطين» بإمكانها جر البعض إلى التهلكة حرفياً. فثمة ألعاب تقود أطفالاً ومراهقين لقتل أنفسهم، ومؤخراً شهدت بلجيكا انتحار رجل بعد محادثات استمرت نحو 6 أسابيع مع روبوت، وهذا الأخير أوعز للرجل بالانتحار كطريقة مثالية ووحيدة للهروب من المشاكل التي يواجهها. تلك الحادثة وسواها تكشف عن المدى الذي قد يصل إليه الذكاء الاصطناعي مستقبلاً، من حيث تطوير نفسه ذاتياً وتحديد أهدافه، من دون الرجوع للإنسان، وهو الهاجس الذي أقر به جيتس.
إذن، هل سيتحول الروبوت من آلة صنعها الإنسان لتيسير حياته إلى كائن يتلاعب بمصير الإنسان ذاته؟ هذا الأمر مقلق بالفعل، ونحن بالتأكيد لا ندرك حجم المخاوف التي يعيشها خبراء الذكاء الاصطناعي، وقد تكون تلك المخاوف السبب وراء دعوة إيلون ماسك ومئات الخبراء العالميين إلى وقف مؤقت لتطوير الآلات لمدة 6 أشهر، كما أعلن العديد من المتخصصين تأييدهم لوقف النشاط، أو على الأقل إبطاء العمل وذلك إلى حين اعتماد أنظمة حماية من تلك التكنولوجيا، خاصة أن الأشهر القليلة الفائتة شهدت سباقاً غير منضبط لمختبرات الذكاء الاصطناعي بهدف تطوير أدمغة رقمية بقوة كبيرة يعجز مبتكروها عن فهمها، أو التحكم بها بصورة مؤكدة، وهو في الأساس سباق تجاري محموم يتخفى تحت الشعارات العلمية التي يعمل وفق ميثاقها، لكنه يتجاوزها بكثير دون ضوابط أخلاقية.
يبدو أن التطورات الحاصلة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي - والتي لا نعرف عنها إلا ما يُراد لنا أن نعرفه فقط - تنذر بتحولات خطيرة ستشهدها البشرية، وقد تكون مفصلية في تاريخها على نحو ما وصفها إيلون ماسك بأنها (تقنية جيدة بشكل مخيف).
المسألة تلك تتطلب من كل من يتعامل بالتكنولوجيا – ولو على مستوى هاتف خليوي – الوعي والحذر. نعم، الأجهزة الذكية صنعها البشر، وعليهم ألا يسيروا وراءها بعقل مُغيّب، فهي تخطئ، وتقتل أحياناً.