في الرابع عشر من مايو 2023 توجه الناخبون الأتراك شيباً وشباناً، رجالاً ونساءً، ممن يحق لهم الانتخاب، وعددهم الإجمالي يصل إلى 64 مليون نسمة، إلى صناديق الاقتراع لكي يدلوا بأصواتهم لانتخاب رئيس الجمهورية والهيئة التشريعية للبلاد.
ويتنافس على الفوز بكرسي الرئاسة عدد من المرشحين، لكن المرشحين الرئيسيين اللذين لهما حظوظ لفوز أحدهما بالمنصب هما رئيس الجمهورية الحالي المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب «الشعب» الجمهوري وزعيم الائتلاف الحزبي المكون من ستة أحزاب سياسية، تُشكل في مجملها المعارضة الرئيسية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم الذي يقوده أرودغان.
وحزب «الشعب الجمهوري» هو من أقدم وأعرق الأحزاب السياسية في البلاد، فيما بعد انهيار الدولة العثمانية، وقد أسسه مصطفى كمال مؤسس الجمهورية الذي يطلق عليه لقب رمزي معبر هو أتاتورك، أي أبو الأتراك، كصفة لازمته في حياته وبعد مماته.
ويبدو بأن نتائج هذه الانتخابات وما ستسفر عنه من فوز أحد المرشحين ذات أهمية كبيرة للعديد من دول العالم، ونتيجة لذلك اتجهت أنظار العالم في اليومين الماضيين إلى تركيا وعملت وسائل الإعلام العالمية من دون استثناء بتغطية هذه الانتخابات بثقل لم يسبق له مثيل.
وربما أن أسباب ذلك التركيز الإعلامي العالمي كثيرة، لكن لها سببين رئيسيين لا يمكن تجاهلهما:
الأول، هو أهمية تركيا السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والتجارية المحورية على المسرح العالمي.
والثاني هو شخصية الرئيس رجب طيب أردوغان التي تثير جدلاً كثيراً غير مسبوق على مسرح السياسة الإقليمي والعالمي منذ توليه القيادة في تركيا قبل عشرين عاماً، ومواقفه تجاه العديد من القضايا السياسية والاستراتيجية والاقتصادية التي أبدت من خلالها مواقف قوية أثارت ردود أفعال ذات اتجاهين إيجابي وسلبي، وقفتها الأطراف الداخلية والخارجية معه أو ضده، كل حسب مصالحه وأهوائه وميوله، لكنها حققت لتركيا في كثير من الأحيان مصالحها الوطنية.
الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الحالية لم يتمكن أردوغان من حسمها لصالحه ، لكنه أحرز نتيجة هي أقل قليلاً من النسبة المطلوبة بقليل ولم تؤهله للفوز.
النتيجة النهائية هي 49.40 بالمائة لأردوغان، و44.96 بالمائة لكليتشدار أوغلو.
وهذه نسب لا تؤهل أي من المرشحين للفوز. وفور إعلان النتائج بصورة رسمية من قبل الهيئة العليا للانتخابات سيصبح لزاماً على الأتراك إجراء جولة ثانية بتاريخ يوم غد الأحد 28 مايو 2023م، وهي الجولة التي سيتم فيها الحسم لأحد المرشحين.
وعلى ضوء النتائج التي ظهرت يبدو بأن المشهد السياسي في تركيا يعمه الهدوء في جميع أنحاء البلاد، ولم ترد إلى هيئة الانتخابات أو تتناقل وسائل الإعلام الرسمية أو مواقع التواصل الاجتماعي ما يشير إلى مظاهر للإخلال المؤثر على سير العملية الانتخابية أو إلى أعمال شغب تقلق أمن البلاد، وهذا يعد مؤشراً جيداً يدل على نضج الناخب التركي سياسياً وديمقراطياً ونضج العملية الديمقراطية ذاتها.
وتشير وسائل الإعلام العالمية التي قامت بتغطية الانتخابات التركية بكثافة وتركيز كبيرين إلى أن أعداد الذين ذهبوا للإدلاء بأصواتهم في صناديق اقتراع انتخابات 2023 وصلت إلى أرقام لم تصل إليها من قبل في تاريخ تركيا.
وتعزى أسباب ذلك إلى الجودة العالية التي وصلت إليها الحملات الانتخابية من حيث الرصانة والتنظيم التي قام بها المرشحون وأحزابهم، وإلى رغبة الأتراك في ممارسة حقهم الانتخابي دعماً لهذا المرشح أو ذاك.
والدليل على ذلك أن الناخبين وقفوا في صفوف طويلة بصبر انتظاراً للإدلاء بأصواتهم، وبأن القاعات المخصصة لم تتسع لاستيعاب أعداد الناخبين الذين توافدوا عليها.
لكن ربما أن ما شاب الانتخابات بالنسبة لحزب «العدالة والتنمية» وبالنسبة للرئيس أردوغان هو أنهم لم يتمكنوا من حسمها من الجولة الأولى، وأخذتهم النتائج المعلنة إلى جولة ثانية العالم في انتظارها بتاريخ 28 مايو 2023. 

*كاتب إماراتي