إقالة المذيع تاكر كارلسون من قناة «فوكس نيوز» والمذيع دون ليمون من قناة «سي إن إن»، أكدت قناعةً تزعجني منذ سنوات، وهي أن لدينا فكرة خاطئة تماماً حول أخبار الكابل. حلقة يوم الجمعة من برنامج «تاكر كارلسون تونايت» («تاكر كالسون هذه الليلة»)، التي تبيّن أنها آخر حلقة له، لم تجذب سوى 2.6 مليون مشاهد، أي ما يعادل 1 في المئة من الراشدين الأميركيين. لكن يوم الاثنين، كان خبر إقالته واحداً من أبرز القصص الإخبارية في البلاد. ذلك أن قوة قنوات الكابل الإخبارية تكمن في انتشارها وتكرارها، وليس في معدلات مشاهدتها.
اكتشفتُ ذلك خلال زهاء التسع سنوات التي قضيتها في «سي إن إن»، حين كنت مقدماً لبرنامج أسبوعي حول الإعلام، وخصصتُ تقارير لتشدد كارلسون. كان الأشخاص الذين يتابعون برنامجَه الذي كان يذاع في تمام الساعة الثامنة مساءً عبارة عن مجموعة صغيرة فقط من إجمالي جمهوره. لكن حينما تأخذ في عين الاعتبار كل الأشخاص الذين كانوا يشاهدونه على التلفزيون في مقهى أو مطار، وكل الأشخاص الذين شاهدوا مقطع فيديو له على الإنترنت أو استمعوا إلى مقدِّمي برامج حوارية إذاعية يقتبسون مقتطفاً من كلامه.. تخلص إلى أنه كان لديه جمهور شهري يقدّر بعشرات الملايين. 
والآن إذا أخذتَ ذاك الانتشار وقمت بعملية ضرب في عشرات المذيعين الآخرين على «فوكس نيوز»، قد تبدأ في فهم التأثير الحقيقي لإمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية. شركة «نيلسن» لقياس معدلات المشاهدة لديها مقياسٌ غير معروف لهذا الأمر يدعى «معدل المشاهدة التراكمية». ووفقاً لهذا المقياس، جذبت قناة «فوكس نيوز» أكثر من 63 مليون مشاهد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام. لكنّ المديرين التنفيذيين في «فوكس نيوز» قللوا من أهميته، ربما لأن الرقم أكبر بالنسبة لشبكة «سي إن إن»، إذ ناهز 68 مليوناً في الربع الأول. غير أن هذه المقاييسَ لا تفسِّر بشكل كامل الانتشارَ الرقمي الكامل لنجوم مثل كارلسون وليمون.
ولهذا السبب أرفضُ التوقعات الرائجة (حتى في بعض هذه الشبكات) التي تذهب إلى أن مصير أخبار الكابل أن تفقد جاذبيتها. وعلى سبيل المثال، فإن شبكة «سي إن إن» شهدت تراجعات مؤخراً لكنها ما زالت تتوقع تحقيق أرباح تقدر بـ 900 مليون دولار هذه السنة. هذا في حين يتوقع أن تحقق قناة «فوكس نيوز» ضعف ذلك. صحيح أن البحر اللامتناهي للمحتوى المتدفق عبر الإنترنت يمثِّل منافسةً شديدةً، غير أنه طالما أن ثمة 20 أو 30 يوم «ذروة» في السنة تجعل الناس يرغبون في إمساك جهاز التحكم عن بُعد ومشاهدة حدث إخباري مباشر، فإن أخبار قنوات الكابل ستكون هناك من أجلهم. 
وقد تكون الشبكات التلفزيونية أكثر تأثيراً من أي وقت مضى، غير أنها أكثر استقطاباً بكل تأكيد. فـ «سي إن إن» و«فوكس نيوز» تجنيان المالَ بالطريقة نفسها، من خلال الرسوم التي يدفعها المشتركون ومبيعات الإعلانات بشكل رئيسي، وغالباً ما تكونان جنباً إلى جنب على قوائم قنوات الكابل نفسها. وعلى الرغم من أن كلاً من كارلسون وليمون أُقيلا وسط اتهاماتٍ بتغذية بيئة عمل معادية، فإن المذيعَين كانا يعملان في عالمين إعلاميين مختلفين كلياً. فـ«فوكس نيوز»، وعلى الرغم من توافرها على غرفة أخبار يعمل فيها صحافيون ومحررون، إلا أنها عبارة عن عملية ترفيه محافظة بشكل رئيسي وجهاز تابع للحزب الجمهوري. فالأخبار في هذه القناة لا تأتي في المرتبة الأولى، ولا حتى في الثانية، والصحافيون فيها يعرفون ذلك. وبالمقابل، فإن «سي إن إن»، وعلى الرغم من أنها تقوم ببعض المحاولات لتكون ترفيهية، إلا أنها محرِّك لجمع الأخبار بشكل رئيسي، ولديها مراسلون ومكاتب حول العالم تحافظ عليهم بثمن باهظ. 
هذا الاختلاف له تداعيات كبيرة جداً. فانتشار ليمون، مثلاً، جعل منه شخصيةً شهيرةً. أما انتشار كارلسون، فقد جعل منه زعيماً غير منتخَب للحزب الجمهوري، بل شخصاً اضطر رئيس مجلس النواب، الجمهوري كيفن ماكارثي، لمهادنته ومحاولة استرضائه. كيف لا ومنظومة كاملة من المواقع اليمينية المتطرفة والشبكات الاجتماعية كانت تنتظر بشوق للترويج لحلقات كارلسون كل ليلة! تلك القوة لا يمكن قياسها، ولكنها السبيل لفهم قوة وتأثير قنوات الكابل الإخبارية. 
لقد أكد هذا الأسبوع أمرين اثنين هما: قوة أخبار الكابل، وحقيقة أن الشبكات هي التي تتحكم فيها وليس النجوم. 
كان كارلسون، وفقاً لتقاريري وتقارير آخرين، يعتقد أن معدلات مشاهدته تجعل منه شخصاً لا يُقهر. والواقع أن ملايين الأشخاص كانوا يصدّقون ما يقوله. لكن الجاذبيةَ الأرضيةَ أعادت تأكيدَ نفسها. وإقالتا الاثنين تُظهران أن هناك حدوداً، حتى في الحدود القصوى لأخبار الكابل، وأنه على الرغم من أن كل الأشياء التي قد تكون البيئة الإعلامية الجديدة غيّرتها في العالم، فإن أحد تلك الحدود هو نفسه ذاك الذي قد تواجهه في وظيفتك: أنه إذا أصبحتَ مصدرَ إزعاج كبير بما يكفي لمديريك، فإن الطرد سيكون مصيرك في نهاية المطاف.
لكن مسلسل الكابل متواصل، لأن الجمهور يلح على ذلك. فبينما انتشر خبر رحيل كارلسون يوم الاثنين، أخذت معدلات المشاهدة في الارتفاع بالنسبة لقناة يمينية أصغر بكثير هي «نيوزماكس»، التي تسعى إلى أن تصبح «فوكس نيوز» المقبلة. ففي غضون بضع ساعات، ضاعفت «نيوزماكس» الجمهورَ المعتادَ لبرنامجها الحواري المؤيد للحزب الجمهوري بأكثر من ثلاث مرات. وبذا يمكن القول إن المعركة المقبلة في حروب أخبار الكابل بدأت للتو. 

برايان شيلتر

كاتب وصحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
 https://www.nytimes.com/2023/04/26/opinion/tucker-carlson-fox-don-lemon-cnn.html