يأتي صوت روبوت المحادثة «تشات جي بي تي»، مقلِّداً صوتَ الطاهي المفضل لديك، وهو يقول: «ها هو الطبق الرئيسي. انظر إلى مكونات الوجبة وتناسقها الرائع. واستنشق الرائحة الشهية». وأنت بدورك تهز رأسك مبتسماً.

لكنك لا تحصل على شيء من سماعة آبل المتطورة بتقنية الواقع المختلط. يهدد ظهور الذكاء الاصطناعي الوضع الراهن إلى حد كبير، لكن كبار الطهاة لن يتم استبعادهم في أي وقت قريب. تجربة المطبخ الراقي - أو في الواقع أي شيء يخرج من المطبخ - هو تفاعل معقد بين أمور تتعلق بالحواس والعاطفة والموقع. كل ذلك - بالإضافة إلى الرضا الناتج عن النجاح في حجز موعد في مطعم مزدحم - من المستحيل تكراره باستخدام التعلم الآلي. يريد الكثيرُ من الناس حقاً العودةَ إلى المطاعم، والشجار مع النوادل والشعور بالذهول أو القلق من ادعاءات الطهاة.

وكما أشارت زميلتي «ليتيسيا ميراندا» مؤخراً، فإن الحل الذي تم التوصل إليه أثناء حقبة كوفيد حول تكاليف صناعة الضيافة والنفقات العامة، والذي يتمثل في المطبخ الشبح، قد انتهى لأن تناول الطعام لا يتعلق فقط بالحصول على صندوق من الطعام أمامك. لقد أدت جائحة «كوفيد-19» إلى انتشار ظاهرة المطابخ الشبح في الولايات المتحدة، وهي مطابخ لا يمكن للزبائن أن يقصدوها لتناول المأكولات أو تسلم طلبياتهم، إذ لا تقوم سوى بتحضير أطباق توصلها إليهم.

إن كل زيارة للمطعم هي عبارة عن تجربة شخصية، وهي تسهم في مناقشات عشاق الطعام حول الحصول على نجوم ميشلان (التي تُمنح للمطاعم المتميزة) والتصنيف الذي يحصل عليه المطعم ضمن أفضل 50 مطعماً في العالم، والذي تم الإعلان عنه مؤخراً. شعرتُ بالامتنان لرؤية مطعم سنترال في ليما، عاصمة بيرو، الذي يديره الزوجان فيرجيليو إنريكيز وبيا ليون، وقد احتل المركزَ الأول، بينما احتل مطعم «كجولي» Kjolle في بيرو المركز 28.

وجاء مطعم «أتوميكس» Atomix في مدينة نيويورك في المركز الثامن. لقد تناولتُ العشاءَ في «سنترال» عدة مرات وزرت أتوميكس (والمطاعم الأخرى في منطقة باركس) في مناسبات لا حصرَ لها. وكنتُ سعيداً برؤية مطعم إيكويي اللندني يحصل على مركز متقدم في التصنيف العالمي أيضاً. يعتمد تقييم الطهاة وعدد النجوم التي يحرزونها على تجربة العملاء في كل مطعم، حيث يتمتع أفضلُهم بنوع من الكاريزما التي لم يتقنها الذكاءُ الاصطناعي بعد.

لقد انتهزتُ الفرصة بالتأكيد عندما ظهر الطاهي «برتراند جريبوت» من مطعم «سيبتايم» الذي جاء في المركز 24 لليلة واحدة فقط في مطعم «فرينشي» في حي كوفنت جاردن هنا في لندن أوائل مايو الماضي. والآن أنا متحمسٌ أكثرَ مِن أي وقت مضى لتناول العشاء في مكانه الفعلي في الدائرة 11 في باريس.

في بعض الأحيان يمكنك رؤية طاهٍ لامع لم يعد لديه مطعم، كما كان الحال مع الطاهي الأسطورة «كوبي ديسراماولتس» - الذي كان يدير مطعم «إن دي وولف» In De Wolf في بلجيكا، والذي ظهر لمدة يومين في مطعم «لايلز» Lyle's في لندن. وفي لندن، تنتظر طاهية غرب أفريقيا الشهيرة «اديجوكي باكاري» افتتاحَ موقعها الجديد. في غضون ذلك، أطلقت باكاري سلسلةً من الشراكات مع طهاة محليين آخرين في مطعم جلوب تافرن Globe Tavern في سوق المواد الغذائية الطازجة في لندن «بورو ماركت» Borough Market.

وفي مساء الثلاثاء، كانت تقوم بالطهي مع الطاهي «سيريتشاي كولار بونج»، الذي كان مطعمه التايلاندي «سينجبوري» Singburi في حي ليتونستون Leytonstone بلندن مفاجأةً مبهجة في قائمة جوائز المطاعم الوطنية لأفضل 100 مطعم في المملكة المتحدة.بدأت هذه الظاهرة قبل نحو 10 سنوات فقط، عندما بدأ مطعم «كونترا» في مدينة نيويورك بدعوة طهاة مشهورين من الخارج ومن جميع أنحاء الولايات المتحدة للطهي لليلة أو ليلتين في المطعم الواقع في شارع أورشارد في الجانب الشرقي من المدينة. وتكون هذه بمثابة فرصة لسكان نيويورك الذين لم يجدوا الوقت أو المال للسفر إلى لندن أو بروكسل أو طوكيو أو كوبنهاجن للاستمتاع بحضور مشاهير الطهاة وتذوق طعامهم.

وانطلق مطعم «جراند جليناز» Grand Gelinaz في نفس الوقت تقريباً: في عام 2015، وكان 37 من كبار الطهاة في العالم يتبادلون الأماكن مع زملائهم، كل منهم يطبخ في موقع مختلف، حيث يشتري رواد المطعم التذاكرَ ولا يعرفون الطاهي الذي سيظهر في المكان. والآن توجد مطاعمٌ يعتمد نموذج العمل فيها على دعوة الطهاة الزائرين. يصر أحد الطهاة على أنه يستمتع بهذا النموذج من العمل حيث يظهر فجأةً في أحد المطاعم، ومنه ينتقل إلى مطعم آخر بنفس الطريقة، وهكذا.

والسؤال هو: هل ستلحق التكنولوجيا في النهاية بكل هذا؟ يمكنني أن أتخيل اليوم الذي يقوم فيه الشيف راسموس مونك من مطعم «الكيمي» Alchemy في كوبنهاجن (جاء في المركز الخامس على قائمة أفضل 50 مطعماً) بإرسال صورة ثلاثية الأبعاد عن نفسه إلى المنافذ حيث يعد المساعدون المختارون وجبة فعلية، مع الحفاظ على وجوده في الحياة الواقعية كميزة بالنسبة لزوار مطعمه الأصلي في العاصمة الدنماركية.

هوارد تشوا-إيوان*

*محرر دولي لدى «بلومبيرج أوبينيون»

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»