منذ عقود والإنسانية تقف أمام علامة الاستفهام الكبيرة التالية: أيهما أفضل للتقدم والتطوير.. استخدام الطاقة للإنتاج والتصنيع أم المحافظة على البيئة وسلامتها من التلوث ومضاعفاته التدميرية؟ دفع البحث عن جواب عن هذا السؤال إلى البحث عن مصادر عديدة للطاقة النظيفة: الطاقة الشمسية وطاقة الهواء والموجات البحرية. وقد حقق العِلمُ تقدماً كبيراً في هذه المجالات، إلا أن العلماء لم يقفوا هنا.

إنهم يبحثون عن المزيد من المصادر. وبالفعل فقد قادهم ذلك إلى اكتشاف المياه الساخنة في أجواف البراكين الخامدة. فاليابان على سبيل المثال التي يقوم فيها أكثر من مائة بركان، اكتشفت أن باستطاعتها استخراج مياه جوفية ساخنة كافية لتوليد كمية من الطاقة تعادل ما ينتجه 23 مفاعلاً نووياً، أي حوالي 23 جيغاوات.

وبعد الكارثة التي ضربت اليابان، نتيجة التسونامي الذي دمّر مفاعلها النووي في فوكوشيما عام 2011، اتضح أن اللجوء الآمن إلى المياه الطبيعية الساخنة ليس أفضل وأقل تكلفة فقط، ولكنه أكثر أمناً وسلامة كذلك.

في اليابان ثلاثة آلاف ينبوع من المياه الساخنة التي تتدفق من البراكين «الخامدة». ومعظم هذه الينابيع تُستخدم في السياحة والعلاجات الطبيعية، حتى أصبح لجوء اليابانيين إليها جزءاً من الثقافة الوطنية، وحتى الروحية أيضاً. وحتى الآن لا تشكّل هذه الينابيع سوى 0.3 في المائة من مصادر الطاقة.

وتحرص الدولة اليابانية على المحافظة عليها لأنها تشكل مصدراً من مصادر «السياحة الاستشفائية»، وهي في معظمها موجودة في المنتجعات الطبيعية العامة التي يفد إليها يابانيون وأجانب من كل حدب وصوب. ويختلف الأمر في إندونيسيا التي تكثر فيها البراكين أيضاً، حيث تنتج من ينابيع المياه الساخنة كميات أكبر من الطاقة. وقد أنتجت بالفعل 500 ميغاوات من الطاقة الكهربائية من هذه الينابيع الساخنة. ووضعت اليابان مخططاً لزيادة إنتاجها من الطاقة من خلال المياه البركانية الساخنة بنسبة 300 في المئة حتى عام 2020.

وبالفعل تمّ اختيار 50 موقعاً في مناطق متعددة من البلاد لإنتاج الطاقة من المياه البركانية الساخنة. ووقّعت اليابان والولايات المتحدة اتفاقية تعاون علمي مشترك لحفر آبار في الجبال الصخرية من أجل الوصول إلى مصادر هذه المياه. وتتوقع طوكيو من خلال ذلك أن تؤمّن عشرة في المائة على الأقل من حاجتها إلى الكهرباء!

أما الولايات المتحدة التي تُعتبر رائدةً في هذا الميدان، فإنها تخطط لإنتاج 8.5 في المائة من حاجتها من الطاقة الكهربائية من مصادر المياه البركانية الساخنة في غضون 27 عاماً القادمة. ويساعد ذلك على تطوير أدوات الحفر في الصخور حيث تجري المياه البركانية في جوفها.

صحيح أن المياه الساخنة في أجواف البراكين تشكل مصدراً مهماً للطاقة النظيفة، لكنها يمكن أن تشكل مصدراً مهماً للغذاء أيضاً. ذلك أن المياه الساخنة تساعد على ريّ التربة في المناطق الباردة لزراعة خضار وأشجار مثمرة لا تنمو إلا في المناطق الاستوائية الحارة مثل الموز أو جوز الهند أو البن وغيرها كثير.

وتوفر هذه المياه الحياة لهذه النباتات التي يمكن أن تغيّر طبيعة الغذاء في مجتمعات هذه المناطق من العالم! وتبقى هناك علامة استفهام كبيرة، عندما اهتزّت الأرض في تركيا ودمّرت مدناّ وبلدات عن بكرة أبيها، تردّد أن أحد أسباب وقوع الهزة هو حبس مياه نهري دجلة والفراع في السدود التركية التي أُقيمت مؤخراً مما أدى إلى تغيير التوازن الطبيعي في التربة. فهل يؤثر استخراج المياه الساخنة على تغيير التوازن الطبيعي للتربة أيضاً؟ الجواب عند علماء الطبيعة.

*كاتب لبناني