تجمع بين الهند والمالديف علاقات عرفت الكثير من المد والجزر. فخلال السنوات القليلة الماضية، كانت العلاقة بين البلدين في أحسن حالاتها في عهد الرئيس إبراهيم صليح، حيث تقوَّى التعاون الدفاعي بين البلدين وازدادت تدفقات السياح الهنود على المالديف. لكن هزيمة الرئيس صليح الذي كان يُنظر إليه على أنه موالٍ للهند، في الانتخابات الأخيرة على يد الدكتور محمد معز، زعيم «المؤتمر الشعبي الوطني» الذي فاز في ائتلاف مع «الحزب التقدمي المالديفي»، ألقت بظلال من الشك على الاتجاه الذي ستسير فيه العلاقات الهندية المالديفية. فخلافاً لسلفه الرئيس صليح، زعيم «الحزب الديمقراطي المالديفي»، الذي كان يُنظر إليه على أنه موالٍ للهند، خاض الدكتور محمد معز حملة انتخابية تعهدت بطرد الوجود العسكري الهندي من المالديف. والآن، وبعد أن يتولى منصبه كرئيس للبلاد الشهر المقبل، من المتوقع أن يستمر في التمسك بهذا الموقف، مما يثير قلق نيودلهي التي استثمرت كثيراً في تطوير علاقاتها مع المالديف. 
والسؤال الذي يطرح الآن هو ما إن كانت المالديف ستظل مدركةً للمخاوف الهندية، بما في ذلك بواعث قلق نيودلهي الأمنية؟ حتى الآن، كانت تربط بين الهند وجزر المالديف علاقات قوية. فقد قدّمت الهند للمالديف مساعدات مالية بقيمة 1.4 مليار دولار من أجل تطوير بنيتها التحتية، بما في ذلك تطوير أنظمة المياه والصرف الصحي. وتتمتع المالديف، وهي عبارة هي أرخبيل يتألف من أكثر من 1192 جزيرة ويبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة، بموقع استراتيجي في المحيط الهندي، وتوجد في قلب الصراع على النفوذ بين الصين والهند. 
تقليدياً، كانت المالديف تتبنى «سياسة الهند أولاً» التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، كما أن أول زيارة للرئيس المنتخَب إلى الخارج بعد توليه منصبه عادةً ما تكون إلى الهند. غير أنه بالنظر إلى موقع المالديف الاستراتيجي، فإن الصين أيضاً ما فتئت تعمل على زيادة وجودها في الجزر، وقد فعلت ذلك بشكل خاص خلال حكم عبد الله يمين. فقد أنفقت بكين ملايين الدولارات على مشاريع تحديث البنية التحتية لهذه الدولة الجزيرية، ومن ذلك مشروع «جسر الصداقة» بين الصين والمالديف الذي تبلغ تكلفته 200 مليون دولار، ويربط العاصمة «ماليه» بمطار جزيرة هولهولي. وفي الأثناء، تقوم دول أخرى مثل الولايات المتحدة وأستراليا، اللتين زادتا من تركيزهما على مناطق المحيطين الهندي والهادئ، بتكثيف وجودهما ببطء. ففي العام الماضي، افتتحت الولايات المتحدة سفارتها في البلاد وعيّنت على رأسها سفيراً في مؤشر على الأهمية المتزايدة للدولة الجزيرية. 
على هذه الخلفية، من المهم بالنسبة للهند أيضاً أن تنسج علاقات جيدة مع المالديف، خاصة أن هذه الأخيرة تقع بالقرب من المنطقة الاقتصادية الخالصة للهند وتتمتع بموقع استراتيجي في المحيط الهندي الذي يُعد طريقاً رئيسياً للتجارة العالمية وتدفقات الطاقة. غير أن التعاون الدفاعي بين البلدين هو الذي بات على المحك. فمع إعلان المالديف إنهاء الوجود العسكري الهندي، ينبغي مراقبة ما قد يحدث للعلاقات الدفاعية التي كانت آخذة في التوسع. ويذكر هنا أن أحد المشاريع الكبرى التي تشارك فيها الهند هو بناء ميناء خفر السواحل الذي تم الإعلان عنه في عام 2021، خلال زيارة وزير الخارجية الهندي إلى المالديف. وهذا مشروع كبير قيد الإنشاء حالياً من قبل البلدين. 
وعلاوة على ذلك، تقوم الهند بمساعدة المالديف على تعزيز تعاونها الدفاعي. وفي هذا الإطار، أهدت الهند المالديف طائرة «دورنير» في 2020، وفي 2019 سلّمتها سفينة دورية. كما منحت المالديف طائرتي هليكوبتر وطائرة صغيرة. وفي 2021، أعلنت قوات الدفاع المالديفية عن وجود 75 عسكرياً هندياً في البلاد من أجل تشغيل الطائرات الهندية وصيانتها. وفي العام الماضي، منحت نيودلهي المالديف نظام رادار ساحلياً. كما أعلن مودي اعتزام الهند منح المالديف 24 مركبة وزورقاً، إضافة إلى إنشاء مرافق للشرطة في 61 جزيرة في البلاد. لكن بعد ذلك بوقت قصير، بدأت المعارضة في المالديف حملةَ «الهند يجب أن ترحل» التي طالبت بمغادرة أفراد الأمن الهنود عن المالديف، واتهمت الهندَ بالسعي لإقامة وجود عسكري، وهو ما تنفيه الهند.
غير أنه ولئن كان من الوارد وجود بعض نقاط التوتر الإضافية، فإن المالديف لا تستطيع تحمل كلفة قطيعة مع الهند التي تظل جارة مهمة جداً. وقد أشار نائب رئيس البلاد بالفعل إلى أن الرئيس المنتخَب سيتوجه إلى الهند في أول زيارة له إلى الخارج، وهو تقليد دأب عليه رؤساء المالديف. وهذا يشير إلى أنه على الرغم من الخطاب الانتخابي وشعار طرد القوات الهندية، إلا أن الدكتور محمد المعز سيستمر على الأرجح في موازنة العلاقات مع الهند التي تُعد أسرع الاقتصادات نمواً في العالم وفقاً لصندوق النقد الدولي. 
وتشتهر جزر المالديف بشواطئها الاستوائية ومياهها النقية ومنتجعاتها الراقية. وتعتمد البلاد على السياحة بشكل أساسي، إذ إن 67 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي يأتي من هذا القطاع بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد أصبحت السياحة من الهند رافداً مهماً من روافد الدخل بالنسبة للبلاد. وكانت المالديف من بين عدد قليل من الدول التي خفّفت القيود بعد كوفيد 19، وكان الهنود من الأوائل الذين توافدوا عليها بأعداد كبيرة. وهذا واحد من أدلة عديدة على الروابط التي تربط بين شعبي البلدين. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي