لماذا اعتمد العالمُ نظامَ تقديم الساعة في نهاية شهر أبريل من كل عام؟ ثم تأخيرها من جديد في نهاية أكتوبر من كل عام أيضاً؟
الجواب هو أنه خلال الحرب العالمية الأولى قررت ألمانيا، مع حليفتيها النمسا وهنغاريا، اتخاذَ هذا القرار للإفادة من ضوء الشمس وتوفير استهلاك الفحم في الإنارة لاستخدامه في المجهود الحربي. سارعت بريطانيا إلى اعتماد هذا النظام الجديد الذي وضعه عدوُّها في ذلك الوقت وتبعها حلفاؤها الآخرون في الحرب. أما الولايات المتحدة فقد تأخرت في اعتماد هذا النظام حتى عام 1918.
بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، عاد معظم الدول إلى نظام التوقيت السابق. لكن مع نشوب الحرب العالمية الثانية، عادت هذه الدول مرة ثانية، وللسبب ذاته، إلى تقديم الساعة طوال سنوات الحرب، ثم تخلّت عنه بعد نهاية الحرب. واستمرّ هذا التخلي حتى سبعينيات القرن العشرين عندما انفجرت أزمة الطاقة نتيجةً للقرار العربي بوقف ضخ النفط دعماً لدولتي المواجهة (مصر وسوريا) ورداً على الدعم الغربي لإسرائيل. ومنذ ذلك الوقت لم يعد تقديم الساعة إجراءً مؤقتاً.. بل أصبح نظاماً عالمياً مستمراً حتى اليوم.
لا تفيد من هذا النظام في التوقيت الدول التي تقع في نطاق خط الاستواء، حيث تتساوى ساعات الليل والنهار على مدار العام. أما الدول الآسيوية فآثرت أن تتجاهله.
غير أن الرغبة في تقديم الساعة سابقة لذلك، ففي عام 1780 كان بنجامين فرانكلين سفيراً للولايات المتحدة لدى فرنسا. وقد استيقظ باكراً في أحد الأيام ليجد أشعة الشمس تتسلّل عبر نافذة غرفة نومه، فكتب رسالةً إلى إحدى الصحف الفرنسية يقترح فيها دعوةَ الباريسيين إلى الاستيقاظ مبكراً لتوفير الشموع، ولم يقترح تقديمَ الساعة. لكن في عام 1890 اقترَح هذا الأمرَ عالِمُ حشرات من نيوزيلندا يُدعى جورج هيدسون، وذلك من أجل أن يستطيع الحصولَ على وقت أطول لممارسة هوايته في مطاردة وصيد الحشرات. ثم تبنّى هذه الفكرة مواطنٌ إنجليزي يدعى وليم ويلت، وأيّدها ونستون تشرشل، وكان في مقتبل العمر، وقدّم إلى البرلمان مشروعاً بذلك، لكن المشروع لم يفز بالعدد الكافي من الأصوات، فصُرف النظر عنه. لذا كانت ألمانيا أول مَن تبنّى الفكرةَ رسمياً، وأول من نفّذها عملياً، وبعد ذلك فقط تبنّت بريطانيا الفكرةَ، الأمر الذي سهّل عمليةَ تدويلِها.
ولتبرير اتخاذ القرار بتقديم الساعة، نشر الكاتب البريطاني دافيد بريرو دراسةً تحت عنوان «استفيدوا من ضوء النهار»، قال فيها إن تقديم الساعة يؤدي إلى تقليل حوادث اصطدام السيارات خلال ساعات الذروة، كما يؤدي إلى تخفيض عدد الجرائم (لأن اللصوص يفضلون الظلام للعمل)، ويحسّن من مستوى المعيشة لأن الناس يقضون وقتاً أطول خارج بيوتهم.. وبالتالي ينفقون أكثر على راحتهم وسعادتهم.
لاقى هذا النظام ترحيباً من رجال المال والأعمال، إلا أنه لاقى في الوقت ذاته معارضةً واستياءً من المزارعين لأنه يحرمهم مِن ساعة من الوقت في الصباح لنقل منتجاتهم الزراعية إلى الأسواق.
لقد مرّ على اعتماد العالم لنظام التوقيت الصيفي أكثر من قرن من الزمن. وهذا النظام الذي أملته ظروفُ وضرورات الحرب ما تزال تملي استمرارَه حتى اليوم حاجاتُ وخيارات السلام.

*كاتب لبناني