كان هناك عرف يقضي بأن يخصّص رؤساء جزر المالديف المنتخَبين حديثاً أول زيارتهم لهم إلى الخارج للهند بعد وصولهم إلى السلطة، عملاً بسياسة «الهند أولاً». لكن الرئيس الجديد محمد معز الذي تولّى السلطة كثامن رئيس لهذه الدولة الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي، خرج عن هذا التقليد واختار السفر إلى تركيا عوضاً عن الهند. وكان معز انتُخب رئيساً بأغلبية 54.05 في المئة من الأصوات متغلباً على إبراهيم محمد صالح، وقال إن بلاده ستنتهج سياسة خارجية تقوم على شعار «المالديف أولاً»، وهو ما يُنظر إليه على أنه إعادة لضبط العلاقات بين الهند والمالديف، وهي دولة تتمتع بموقع استراتيجي في المحيط الهندي. ومن الواضح أن تقليل اعتماد البلاد على الهند يندرج في إطار توجه سياسي.

فبعد وصوله إلى السلطة، طلب معز من الهند رسمياً سحب 77 عسكرياً هندياً. وكان هؤلاء العسكريون موجودين في جزر المالديف من أجل تشغيل طائرتي هليكوبتر وطائرة دورنير، كانت الهند أهدتهما للمالديف وساهمت بشكل كبير في تعزيز قدرات جزر المالديف بخصوص عمليات المراقبة ومنع الأنشطة الإرهابية والإجرامية في البحر. وتشمل الجوانب الرئيسية للتعاون الدفاعي والأمني بين الهند والمالديف تدريب القوات المالديفية، والمساعدة في تطوير البنية التحتية الدفاعية، إلى جانب الحوار العسكري. وكانت الهند منحت المالديف زورقاً هجومياً سريعاً ومتطوراً يزن 260 طناً في 2006.

ومنذ عام 2009، يقوم «خفر السواحل الهندي» بتنفيذ طلعات جوية منتظمة فوق جزر المالديف للبحث عن السفن المشبوهة، لكن كل هذا التعاون بات الآن يخضع للمراجعة من قبل حكومة المالديف الجديدة. ووفقاً لحكومة معز، فإن هذه الأخيرة تعيد النظر حالياً في 100 اتفاقية مع الهند وقّعتها حكومة صالح السابقة. ومن بين بعض المشاريع الكبرى هناك مشروع مشترك لبناء ميناء لخفر السواحل، وهو الذراع البحري لقوات الدفاع الوطني المالديفية. كما يُعد مشروع بناء منشأة بحرية في جزيرة سيفاوارو المالديفية أحد أكبر المشاريع التي تنجزها الهند في المالديف. وتقع سيفاوارو قبالة الساحل الجنوبي الغربي للهند في المحيط الهندي، والذي يُعد طريقاً رئيسياً للتجارة العالمية وتدفقات الطاقة.

وقد أوضح معز أنه يرغب في بقاء بلاده خالية من أي وجود عسكري أجنبي حماية لاستقلالها وسيادتها. وكانت المالديف، وهي عبارة عن أرخبيل يتألف من 1200 جزيرة وتشتهر بشواطئها ذات الرمال البيضاء ومنتجعاتها الشاطئية الراقية، شهدت فوز معز على الرئيس المنتهية ولايته إبراهيم محمد صالح من الحزب الديمقراطي المالديفي. وكان يُنظر إلى صالح على أنه موالٍ للهند خلافاً للرئيس الجديد الذي خاض حملته الانتخابية ببرنامج رفع شعار «رحيل الهند»، واتهم الجارة الأكبر بالسعي لإقامة وجود عسكري دائم في المالديف، وهو ما نفته نيودلهي. وتُعد المالديف دولة ذات أهمية استراتيجية في المحيط الهندي، غير أنه ما زالت هناك أسئلة حول مستقبل علاقات الهند مع المالديف. فعلى الرغم من إعادة تقييم الاتفاقيات وطرد أفرادها العسكريين، إلا أن الهند تظل جار المالديف الرئيسي. كما تظل الهند شريكاً اقتصادياً مهماً يهبّ دائماً في أوقات الحاجة لمساعدة الدولة الجزيرة.

فخلال جائحة كوفيد 19، مثلاً، منحت الهند المالديف مساعدة مالية بقيمة 250 مليون دولار، وهي أكبر مساعدة مالية منفردة من أي جهة مانحة لهذا البلد. كما تبرعت لها الهند باللقاحات بكميات كبيرة. وفضلاً عن ذلك، قدّمت الهند لمالديف مساعدة مالية تزيد على 100 مليون دولار بشكل منفصل من أجل المساعدة على تخفيف التحديات المالية الناجمة عن الجائحة. وبالنظر إلى قرب الهند من المالديف، كانت الهند دائماً المستجيب الأول خلال أي أزمة، سواء كانت إنسانية أو أمنية. كما لعبت الهند دوراً أساسياً عقب تسونامي المحيط الهندي في 2004. وعلاوة على ذلك، كانت الهند الشريك الأمني للمالديف، إذ أنشأت الهند البنية التحتية الدفاعية للمالديف مثل نظام الرادار الساحلي، والمستشفى العسكري، ومنشأة تدريب لقوات الدفاع الوطني المالديفية. وإلى جانب العلاقات الدفاعية والأمنية، أصبحت الهند أيضاً مصدراً كبيراً للسياحة في المالديف، والتي تُعد محركاً رئيسياً للاقتصاد.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي